إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله

          118- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) أي: الأويسيُّ المدنيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالتَّوحيدِ(1) (مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ، إمام الأئمَّة (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ) أي: الحديثَ، كما في «البيوع» [خ¦2047] وهو حكاية كلام النَّاس، وإِلَّا لقال: «أكثرت»، زاد المصنِّف في روايةٍ في «المُزَارعة» [خ¦2350]: ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدِّثون مثل أحاديثه؟ (وَلَوْلَا آيَتَانِ) موجودتان (فِي كِتَابِ اللهِ) تعالى (مَا) أي: لَمَا (حَدَّثْتُ حَدِيثًا) قال الأعرج: (ثُمَّ يَتْلُو) أبو هريرة: ({إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى } إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({الرَّحِيمُ }[البقرة:159-160]) وعبَّر بالمضارع في قوله: «ويتلو» استحضارًا لصورة التِّلاوة، والمعنى: لولا أنَّ الله تعالى ذمَّ الكاتمين للعلم لما حدَّثتكم أصلًا، لكن لمَّا كان الكِتمان حرامًا وجب الإظهار؛ فلذا(2) حَصلتِ الكثرة عنده، ثمَّ ذكر سبب الكثرة بقوله: (إِنَّ إِخْوَانَنَا) جمع أخٍ، ولم يقل: إخوانه(3) ليعود الضَّمير على أبي هريرة لغرض الالتفات، وعدل عن الإفراد إلى الجمع لقصد نفسه وأمثاله من أهل الصُّفَّة، وحذفُ العاطفِ على جعلِهِ جملةً استئنافيَّةً، كالتَّعليل للإكثار جوابًا للسُّؤال عنه، والمُرَاد: أخوَّة الإسلام (مِنَ المُهَاجِرِينَ) الذين هاجروا من مكَّة إلى المدينة (كَانَ يَشْغَلُهُمُ) بفتح أوَّله وثالثه مِنَ الثُّلاثيِّ، وحُكِيَ: ضمُّ أوَّله مِنَ الرُّباعيِّ، وهو شاذٌّ (الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ) بفتح الصَّاد وإسكان الفاء، كنايةٌ عن التَّبايع لأنَّهم كانوا يضربون فيه يدًا بيدٍ عند المُعاقَدَة، وسُمِّيتِ السُّوق لقيام النَّاس فيها على سوقهم (وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ) الأوس والخزرج (كَانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ) أي: القيام على مصالح زرعهم (وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) عدل عن قوله: «وإنِّي» لقصد الالتفات (كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلعم بِشِبَعِ بَطْنِهِ) كذا للأَصيليِّ: بمُوحَّدةٍ في أوَّله، وفي رواية الأربعة: ”لشبع(4)“ باللَّام، وكلاهما للتَّعليل، أي: لأجل شبع بطنه، وهو بكسر الشِّين المُعجَمَة وفتح المُوحَّدة، وعن ابن دُرَيدٍ إسكانها، وعن غيره الإسكان‼؛ اسمٌ لِمَا أشبعك من الشَّيء، وفي رواية ابن عساكر في نسخةٍ: ”ليشبع(5) بطنه“ بلام «كي»، و«يشبعَ» بصورة المضارع المنصوب، والمعنى أنَّه كان يلازم قانعًا بالقوت، لا يتَّجِر ولا يزرع (وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ) من أحوال النَّبيِّ صلعم لأنَّه كان يشاهد ما لا يشاهدونه(6) (وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ) من أقواله لأنَّه يسمع ما لا يسمعون.


[1] في (د): «بالإفراد».
[2] في (ب) و(س): «فلذلك».
[3] في (ص): «إخواته»، وهو تصحيفٌ.
[4] «لشبع»: ليس في (ب) و(س).
[5] في (ص): «لشبع»، وهو خطأ.
[6] في غير (ص): «يشاهدون».