إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن

          115- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) بن الفضل المروزيُّ، المُتوفَّى سنة ثلاثٍ أو ستٍّ وعشرين ومئتين، وانفرد المؤلِّف به عن السِّتَّة (قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيان (عَنْ مَعْمَرٍ) بفتح الميمين وسكون العين بينهما، ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ هِنْدٍ) بنت الحارث الفِراسيَّة؛ بكسر الفاء وبالسِّين المُهمَلَة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”عنِ امرأةٍ“ بدلها (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هندٍ، وقِيلَ: رملة، أمِّ المؤمنين بنت سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر(1) بن مخزومٍ، وورثت(2) عنِ النَّبيِّ صلعم علمًا كثيرًا، لها في «البخاريِّ» أربعة أحاديث، وتُوفِّيت سنة تسعٍ وخمسين ♦ (وَعَمْرٌٍو) بالرَّفع على الاستئناف، والمعنى: أنَّ ابن عُيَيْنَةَ حدَّث عن معمرٍ عن الزُّهريِّ، ثمَّ قال: «وعمرٌو»، وكأنَّه حدَّث / بحذف صيغة الأداء، كما هي عادته، ويجوز الجرُّ في «عمرٍو» عطفًا على «معمرٍ» وهو الذي في الفرع كأصله مُصحَّحًا عليه، قال القاضي عياضٌ: والقائل: «وعمرٍو» هو ابن‼ عُيَينة. و«عمرٌو» هذا هو ابن دينار (وَيَحْيَى بْنُِ سَعِيدٍ) هو الأنصاريُّ لا القطَّان؛ إذ هو لم يلقَ الزُّهريَّ حتَّى يكون سمع منه (عَنِ) ابن شهابٍ (الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ) وفي رواية الأربعة «عط 5 ص س ط»(3): ”عنِ امرأةٍ“ بدل قوله في هذا الإسناد الثَّاني: «عن هندٍ»، وفي هامش فرع «اليونينيَّة»: ”لَهي“ ووقع عند الحَمُّويي والمُستملي في الطَّريق الثَّاني: ”عن هندٍ عن أمِّ سلمة“ كما في الحديث قبله، ولغيرهما: ”عنِ امرأةٍ“ قال: وفي نسخةٍ صحيحةٍ مرقوم على قوله: ”عنِ امرأةٍ“ علامة أبي الهيثم والأَصيليِّ وابن عساكر وابن السَّمعاني في أصل سماعه عن(4) أبي الوقت في خانقاه السُّمَيْسَاطيِّ. انتهى. والحاصل: أنَّ الزُّهريَّ ربَّما أبهمها وربُّما سمَّاها (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) ♦ أنَّها (قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ) أي: تيقَّظ، والسِّين هنا ليس(5) للطَّلب، أي: انتبَهَ (النَّبِيُّ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم ذَاتَ لَيْلَةٍ) أي: في ليلةٍ، ولفظ «ذاتَ» زِيدَت للتَّأكيد، وقال جار الله: هو من إضافة المُسمَّى إلى اسمه، وكان ╕ في بيت أُمِّ سلمة لأنَّها كانت ليلتها (فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا) استفهامٌ متضمِّنٌ معنى التَّعجُّب لأنَّ «سبحان» تُستعمَل له (أُنْزِلَ) بضمِّ الهمزة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”أَنْزَلَ الله“ (اللَّيْلَةَ) بالنَّصب ظرفًا لـ «أُنزِل» (مِنَ الفِتَنِ؟ وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ؟) عبَّر عنِ العذاب بـ «الفتن» لأنَّها أسبابه، وعن الرَّحمة بـ «الخزائن» لقوله تعالى: {خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ }[ص:9] واستعمل المجاز في الإنزال، والمُرَاد به: إعلام الملائكة بالأمر المقدور(6)، وكأنَّه صلعم رأى في المنام أنَّه سيقع بعده فتنٌ، وتُفتَح لهمُ الخزائن، أو أوحى الله تعالى(7) إليه ذلك قبل النَّوم، فعبَّر عنه بـ «الإنزال»، وهو من المعجزات، فقد فُتِحت خزائن فارسَ والرُّوم وغيرهما، كما أخبر ╕ (أَيْقِظُوا) بفتح الهمزة، أي: نبِّهوا (صَوَاحِب) وفي روايةٍ: ”صواحبات“ (الحُجَرِ) بضمِّ الحاء وفتح الجيم، جمع حُجْرَةٍ؛ وهي منازل أزواجه ╢ (8)، وخصَّهنَّ لأنَّهنَّ الحاضرات حينئذٍ (فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا) أثوابًا رقيقةً لا تمنع إدراك البشرة، أو نفيسةً (عَارِيَةٍ) بتخفيف الياء والجرِّ، والرَّفع: للأَصيليِّ، أي مُعَاقَبَةٍ (فِي الآخِرَةِ) بفضيحة التَّعرِّي، أو عاريةٍ من الحسنات في الآخرة، فندبهنَّ بذلك إلى الصَّدقة وترك السَّرف، ويجوز في «عاريةٍ» الجرُّ على النَّعت؛ لأنَّ «رُبَّ» عند سيبويه حرف جرٍّ يلزم صدر الكلام، والرَّفع بتقدير هي، والفعل الذي يتعلَّق به «رُبَّ» محذوفٌ، واختار الكسائيُّ أن يكون(9) «رُبَّ» اسمًا مُبتدَأً، والمرفوع خبرها، وهي هنا للتَّكثير، وفعلها الذي تتعلَّق به ينبغي أن يكون محذوفًا غالبًا، والتَّقدير: رُبَّ كاسيةٍ عاريةٍ عرفتها.
          والحديث يأتي في «الفتن» [خ¦7069] إن شاء الله تعالى.


[1] في غير (ص) و(م): «عمرو».
[2] في (م): «روت».
[3] قوله: «عط 5 ص س ط».زيادة من (د)، وهم: أبو ذر والأصيلي وابن عساكر والسمعاني عن أبي الوقت، أما رمز (عط) فلم يعرف المراد منه.
[4] في (ص) و(م): «على».
[5] في (م): «ليست هنا».
[6] في (د) و(ص): «المقدر».
[7] قوله: «الله تعالى»: سقط من (ص) و(م).
[8] في (ب) و(س): «صلعم».
[9] في غير (د): «تكون».