إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أربع: عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون

          1778- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ) غير مصروفٍ البصريُّ نزيل مكَّة، قال البخاريُّ: كان المقرئ يثني عليه، وقال أبو حاتمٍ: منكر الحديث، لكن روى عنه البخاريُّ حديثين فقط؛ أحدهما: هذا، وأخرجه أيضًا عن هدبة وأبي الوليد الطَّيالسيِّ بمتابعته عن همَّامٍ، والآخر: في «المغازي» [خ¦4048] عن محمَّد بن طلحة عن حُميَدٍ، وله طرقٌ أخر(1) عن حُمَيدٍ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بتشديد الميم بعد فتح الهاء ابن يحيى بن دينارٍ العَوْذِيُّ الشَّيبانيُّ البصريُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة قال: (سَأَلْتُ أَنَسًا) هو ابن مالكٍ ( ☺ : كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلعم ؟ قَالَ: أَرْبَعٌ) بالرَّفع: أي: الذي اعتمره أربع (عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ) بتخفيف الياء على الفصيح(2)، و«عمرةُ»: رَفعُ بدلٍ من «أربعٌ»، ولأبي ذرٍّ: ”أربعًا“ بالنَّصب، أي: اعتمر أربعَ عُمَرٍ(3): ”عمرةَ الحديبية“ بالنَّصب بدلٌ من المنصوب (فِي ذِي القَعْدَةِ) سنة ستٍّ (حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ) بالحديبية فنحر الهدي بها، وحلق هو وأصحابه، ورجع إلى المدينة (وَعُمْرَةٌ) بالرَّفع عطفًا(4) على المرفوع، ولأبي ذرٍّ: ”وعمرةً“ بالنَّصب عطفًا على المنصوب (مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ) يعني: قريشًا، وهي عمرة القضاء والقضيَّة، وإنَّما سُمِّيت بهما لأنَّه صلعم / قاضى قريشًا فيها، لا أنَّها وقعت قضاءً عن العمرة التي صُدَّ عنها؛ إذ لو كان كذلك لكانتا عمرةً واحدةً، وهذا مذهب الشَّافعيَّة والمالكيَّة، وقال الحنفيَّة: هي قضاءٌ عنها، قال في «فتح القدير»: وتسمية الصَّحابة وجميع السَّلف إيَّاها بعمرة القضاء ظاهرٌ في خلافه، وتسمية بعضهم إيَّاها عمرة القضيَّة لا ينفيه؛ فإنَّه اتَّفق في الأولى مقاضاة النَّبيِّ صلعم أهلَ مكَّة على أن يأتي من العام المقبل فيدخل مكَّة بعمرةٍ ويقيم ثلاثًا، وهذا الأمر قضيَّةٌ تصحُّ إضافة هذه العمرة إليها، فإنَّها عمرةٌ كانت عن تلك القضيَّة، فهي قضاءٌ عن تلك القضيَّة، فتصحُّ إضافتها إلى كلٍّ منهما، فلا تستلزم الإضافة إلى القضيَّة نفي القضاء، والإضافة إلى القضاء تفيدُ ثبوته فيثبت مفيد ثبوته بلا معارضٍ‼. انتهى.
          (وَعُمْرَةُ) بالرَّفع وبالنَّصب كما مرَّ (الجِعْـِرَّانَةِ) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الرَّاء وبكسر العين وتشديد الرَّاء، والأوَّل: ذهب إليه الأصمعيُّ، وصوَّبه الخطَّابيُّ، وهي(5) ما بين الطَّائف ومكَّة (إِذْ) أي: حين (قَسَمَ غَنِيمَةَ) بالنَّصب معمول «قَسَمَ» من غير تنوينٍ؛ لإضافته في الحقيقة إلى حنينٍ (_أُرَاهُ_) بضمِّ الهمزة، أي: أظنُّه، وهو اعتراضٌ بين المضاف وبين (حُنَيْنٍ) المضاف إليه، وكأنَّ الرَّاوي طرأ عليه شكٌّ، فأدخل لفظ: «أُراه» بينهما، وقد رواه مسلمٌ عن همَّامٍ بغير شكٍّ، و«حُنَينٌ»: وادٍ بينه وبين مكَّة ثلاثة أميالٍ، وكانت في سنة ثمانٍ في زمن غزوة الفتح، ودخل ╕ بهذه العمرة إلى مكَّة ليلًا، وخرج منها ليلًا إلى الجعرانة فبات بها، فلمَّا أصبح وزالت الشَّمس خرج في(6) بطن سَرِف حتَّى جامع الطَّريق، ومن ثمَّ خفيت هذه العمرة على كثيرٍ من النَّاس.
          قال قتادة: (قُلْتُ) لأنسٍ: (كَمْ حَجَّ) صلعم ؟ (قَالَ): حجَّ (وَاحِدَةً) وقد سقط من رواية حسَّان هذه العمرة الرَّابعة؛ ولذا استظهر المؤلِّف بطريق أبي الوليد الثَّابت ذِكْرُها فيها(7) [خ¦1779] حيث قال: «وعمرةً مع حجَّته».


[1] في (د): «أخرى».
[2] في (د): «الصَّحيح».
[3] في (د): «اعتمر أربعًا».
[4] في (د): «عطفٌ».
[5] في (د): «وهو».
[6] في (د): «من».
[7] في غير (ص) و(م): «فيه».