إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم اغفر للمحلقين

          1728- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ) بالمُثنَّاة التَّحتيَّة المُشدَّدة والشِّين المعجمة الرَّقَّام، ووقع في رواية ابن السَّكن: عبَّاس _بالمُوحَّدة والمهملة_ قال أبو عليٍّ الجيَّانيُّ: والأوَّل أرجح، بل هو الصَّواب، قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ) بضمِّ الفاء وفتح الضَّاد المعجمة مُصغَّرًا ابن غزوان الضَّبيُّ قال: (حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ) بتخفيف الميم بعد ضمِّ العين ابن القَعقَاع _بقافين مفتوحتين بينهما عينٌ مهملةٌ ساكنةٌ وبعد الألف مهملةٌ أخرى_ ابن شبرمة (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) هَرِمٍ، أو عبد الله، أو عبد الرَّحمن بن عمرٍو(1) البجليِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) في حجَّة الوداع، قال في «الفتح»(2): أو في الحديبية، وصحَّح النَّوويُّ: الأوَّل، والثَّاني: ابنُ عبد البرِّ، وجزم به إمام الحرمين في «النِّهاية»، وجوَّز النَّوويُّ وقوعه في الموضعين، قال في «الفتح»: ولم يقع في شيءٍ من الطُّرق التَّصريح بسماع أبي هريرة ☺ لذلك من النَّبيِّ صلعم ، ولو وقع لقطعنا بأنَّه كان في حجَّة الوداع لأنَّه شهدها ولم يشهد الحديبية. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ) قال في حديث ابن عمر [خ¦1727]: «ارحم»، وقال هنا: «اغفر»، فيحتمل أن يكون بعض الرُّواة رواه بالمعنى، أو قالهما جميعًا (قَالُوا) أي: الصَّحابة: يا رسول الله؛ ضُمَّ إليهم المقصِّرين، وقل: اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين (وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَهَا ثَلَاثًا) أي: قال: اغفر للمحلِّقين ثلاث مرَّاتٍ، وفي الرَّابعة (قَالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ) وفيه: تفضيل الحلق للرِّجال على التَّقصير الذي هو أخذ أطراف الشَّعر لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}[الفتح:27] إذ العرب تبدأ بالأهمِّ والأفضل، نعم إن اعتمر قبل الحجِّ في وقتٍ لو حلق فيه جاء يوم النَّحر‼ ولم يسودَّ رأسه من الشَّعر فالتَّقصير له أفضل، كذا نقله الإسنويُّ عن نصِّ الشَّافعيِّ(3) في «الإملاء»، قال: وقد تعرَّض النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» للمسألة، لكنَّه أطلق أنَّه يُستحَبُّ للمتمتِّع أن يقصِّر في العمرة / ويحلق في الحجِّ ليقع الحلق في أكمل العبادتين، قال الزَّركشيُّ: ويُؤخَذ ممَّا قاله الشَّافعيُّ: أنَّ مثله يأتي فيما لو قدَّم الحجَّ على العمرة قال: وإنَّما لم يُؤمَر في ذلك بحلق بعض رأسه في الحجِّ وبحلق بعضه في العمرة؛ لأنَّه يُكرَه القزع، نعم؛ لو خُلِقَ له رأسان فحلق أحدهما(4) في العمرة، والآخر(5) في الحجِّ لم يُكرَه لانتفاء القزع، ويكون ذلك مستثنًى من كلام الشَّافعيِّ، وأمَّا المرأة فالتَّقصير لها أفضل(6) لحديث أبي داود بإسنادٍ حسنٍ: «ليس على النِّساء الحلق، وإنَّما(7) عليهنَّ التَّقصير»، فيُكرَه لها الحلق لنهيها عن التَّشبُّه بالرِّجال.
          وفي الحديث من الفوائد: أنَّ التَّقصير مجزئٌ(8) عن الحلق وإن لبَّد رأسه، ولا عبرة بكون التَّلبيد لا يفعله إلَّا العازم على الحلق غالبًا، لكن لو نذر الحلق وجب عليه لأنَّه في حقِّه قربةٌ بخلاف المرأة والخنثى، ولم يجزه عنه القصُّ ونحوه ممَّا لا يُسمَّى حلقًا كالنَّتف والإحراق؛ إذ الحلق استئصال الشَّعر بالموسى، وإذا استأصله بما لا يُسمَّى حلقًا هل يبقى الحلق في ذمَّته حتَّى يتعلَّق بالشَّعر المستخلف تداركًا لما التزمه أو لا؟ لأنَّ النُّسك إنَّما هو إزالة شعرٍ اشتمل عليه الإحرام، المتَّجه الثَّاني، لكن يلزمه لفوات الوصف دمٌ.


[1] في (ص): «عبد الرَّحمن أو عمرٍو»، وكلاهما صحيحٌ.
[2] «قال في الفتح»: ليس في (ص) و(م).
[3] في (د): «النَّصِّ».
[4] في (ص): «إحداهما».
[5] في (ص): «الأخرى».
[6] في (ص): «وأمَّا التَّقصير للمرأة؛ فهوأفضل».
[7] في (د) و(س): «حلقٌ إنَّما».
[8] في (م): «يجزئ».