إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد

          99- وبالسَّند السَّابق إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن يحيى الأويسيُّ المدنيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالتَّوحيد (سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ، أبو محمَّدٍ التَّيميُّ القرشيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو) بفتح العين فيهما، مولى المطَّلب المدنيِّ، المُتوفَّى في خلافة أبي جعفرٍ المنصور سنة ستٍّ وثلاثين ومئةٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُـَـرِيِّ) بضمِّ المُوحَّدة وفتحها‼ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرَّحمن بن صخرٍ ☺ (أَنَّهُ) بفتح الهمزة (قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ) ولغير أبي ذَرٍّ وكريمة: ”قال: يا رسول الله“ بإسقاط ”قيل“ كما في رواية الأَصيليِّ والقابسيِّ، فيما قاله العينيُّ وغيره، وهو الصَّواب، ولعلَّها كانت ”قلت“ كما عند المؤلِّف في «الرِّقاق» [خ¦6570] فتصحَّفت بـ «قيلَ» لأنَّ السَّائل هو أبو هريرة نفسه، فدلَّ هذا على أنَّ رواية أبي ذَرٍّ وكريمة وهمٌ (مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟) بنصب «يومَ» على الظَّرفيَّة، و«مَنْ»: استفهاميَّةٌ مبتدأٌ، خبرُه تاليه (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ): واللهِ (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَّا يَسْأَلُـَـنِي) بضمِّ اللَّام وفتحها على حدِّ قراءتَي: { وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُون (1)} بالرَّفع والنَّصب لوقوع «أنْ» بعد الظَّنِّ، واللَّام في «لقد» جواب القَسَم المحذوف كما قدَّرته، أو للتَّأكيد (عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ) بالرَّفع فاعل «يسألني» (أَوَّلَُ مِنْكَ) برفع «أوَّل» صفةٌ لـ «أحدٌ»، أو بدلٌ منه، وبالنَّصب، وهو الذي في فرع «اليونينيَّة» كهي، وصُحِّح عليه، وخرج على الظَّرفيَّة، وقال عياضٌ: على المفعول الثَّاني لـ «ظننت»، قال في «المصابيح»: ولا يظهر له وجهٌ، وقال أبو البقاء: على الحال، أي: لا يسألني أحد سابقًا لك، ولا يضرُّ كونه نكرةً لأنَّها في سياق النَّفيِ كقولهم: ما كان أحدٌ مثلك (لِمَا رَأَيْتُ) أي: للَّذي رأيته (مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ) أو لرؤيتي بعض حرصك، فـ «من»: بيانيَّةٌ على الأوَّل، وتبعيضيَّةٌ على الثَّاني (أَسْعَدُ النَّاسِ) الطَّائع والعاصي (بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ) أي: في يوم القيامة، وسقط لفظ «يوم القيامة» للحَمُّويي(2) (مَنْ قَالَ) في موضع رفعٍ خبرُ المبتدأ الذي هو «أسعدُ النَّاس(3)»، و«مَنْ»: موصولةٌ، أي: الذي قال: (لَا إِلَهَ إِلَّا الله) مع قوله: «محمَّدٌ رسول الله» حال كونه (خَالِصًا) مِنَ الشِّرك، زاد في رواية الكُشْمِيهَنيِّ وأبي الوقت: ”مخلصًا“(مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ) شكٌّ من الرَّاوي، وقد يكتفى بالنُّطق بأحد الجزأين من كلمتي الشهادة لأنَّه صار شعارًا لمجموعهما، فإن قلت: الإخلاص محلُّه القلب، فما فائدة قوله(4): «من قلبه»؟ أُجِيب: بأنَّ الإتيان به للتَّأكيد، ولو صدق بقلبه ولم يتلفَّظ دخل في هذا الحكم، لكنَّا لا نحكم عليه بالدُّخول إلَّا إن تلفَّظ(5)، فهو للحكم باستحقاق الشفاعة لا لنفس الاستحقاق، واستُشكِل التَّعبير بـ «أَفْعَل» التَّفضيل في قوله: «أَسْعَد» إذ مفهومه: أنَّ كلًّا من الكافر الذي لم ينطق بالشهادتين(6) والمنافق الذي نطق بلسانه دون قلبه أن يكون سعيدًا، وأُجِيب: بأنَّ «أَفْعَلَ» هنا ليست على بابها، بل بمعنى: سعيد النَّاس مَنْ نطق بالشَّهادتين، أو تكون «أفعل» على بابها، والتَّفضيل بحسب المراتب، أي: هو أسعد ممَّن لم(7) يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المُؤكَّد البالغ غايته، والدَّليل على إرادة تأكيده ذكر القلب؛ إذِ الإخلاص محلُّه القلب، ففائدته التَّأكيد كما مرَّ، وقال البدر الدَّمامينيُّ: حمله ابن بطَّالٍ _يعني قوله: «مخلصًا»_ على الإخلاص العامِّ الذي هو من لوازم التَّوحيد، وردَّه ابن المُنَيِّر: بأنَّ هذا لا يخلو عنه مؤمنٌ، فتتعطَّل صيغة «أَفْعَل»، وهو لم يسأله عمَّن يستأهل شفاعته، وإنما سأله عن أسعد النَّاس بها، فينبغي أن يُحمَل على إخلاصٍ خاصٍّ مُختَصٍّ ببعضٍ دون بعضٍ، ولا يخفى‼ تفاوت رتبه، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في «صفة الجنَّة والنَّار» من «كتاب الرِّقاق» [خ¦6570]، والله أعلم(8).


[1] زيد في (ص): «{فِتْنَةٌ}».
[2] قوله: «وسقط لفظ: يوم القيامة للحَمُّويي» سقط من (د) و(س).
[3] «النَّاس»: سقط من (د).
[4] «قوله»: سقط من (د).
[5] في (د): «أن يتلفَّظ».
[6] في (د) و(ص): «بالشَّهادة».
[7] «لم»: سقط من (ص).
[8] قوله: «من كتاب الرِّقاق، والله أعلم» سقط من (د).