إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنا نعطيها في زمان النبي صاعًا من طعام

          1508- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ) بضمِّ الميم وكسر النُّون، الزَّاهد المروزيُّ، أنَّه (سَمِعَ يَزِيدَ العَدَنِيَّ) بفتح العين والدَّال المهملتين، ولأبي ذرٍّ: ”يزيد بن أبي حَكِيمٍ“ بفتح الحاء وكسر الكاف، «العدنيَّ» (قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ) بسكون الرَّاء بعد السِّين المهملة المفتوحة، آخره حاءٌ مُهمَلةٌ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا) أي: زكاة الفطر (فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلعم )‼ هذا له حكم الرَّفع؛ لإضافته إلى الزَّمن النَّبويِّ(1) (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ) بن أبي سفيان، وزاد مسلمٌ في روايته: فلم نَزَلْ نخرِجه حتَّى قَدِم معاوية حاجًّا أو معتمرًا، فكلَّم النَّاس على المنبر، وزاد ابن خزيمة: وهو يومئذٍ خليفةٌ (وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ) أي: كثرت الحنطة الشَّاميَّة ورَخُصَت (قَالَ: أُرَى) بضمِّ الهمزة، أي: أظنُّ، ولأبي ذرٍّ: ”أَرَى“ (مُدًّا) واحدًا (مِنْ هَذَا) الحبِّ أو القمح (يَعْدِلُ مُدَّيْنِ) من سائر الحبوب، وبهذا ونحوه تمسَّك أبو حنيفة ⌂ ، وأُجيب بأنَّه قال في أوَّل الحديث: «صاعًا من طعامٍ»، وهو في الحجاز: الحنطة، فهو صريحٌ في أنَّ الواجب منها صاعٌ، وقد عدَّد الأقوات، فذكر أفضلها قوتًا عندهم، وهو البُرُّ _لا سيَّما_ وعُطِفت بـ «أو» الفاصلة، فالنَّظر إلى ذواتها لا قيمتها، ومعاوية إنَّما صرَّح بأنَّه رأيه، فلا يكون حجَّةً على غيره. انتهى. لكن نازع ابن المنذر في كون المراد بالطَّعام: الحنطة _كما مرَّ_ قريبًا، وقد زاد مسلمٌ: قال أبو سعيدٍ: أمَّا أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت، وله من طريق ابن عجلان عن عياضٍ: فأنكر ذلك أبو سعيدٍ، وقال: لا أُخرج إلَّا ما كنت أُخرج في عهد رسول الله صلعم ، ولابن خزيمة والحاكم والدَّارقطنيِّ: فقال له رجلٌ: مُدَّين من قمحٍ، فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها، فدلَّ على أنَّه لم يوافق على ذلك، وحينئذٍ فليس في المسألة إجماعٌ سكوتيٌّ، قال النَّوويُّ: وكيف يكون ذلك، وقد خالفه أبو سعيدٍ وغيره ممَّن هو أطول صحبةً وأعلم بأحوال النَّبيِّ صلعم ؟!


[1] في (ب) و(س): «زمان النَّبيِّ صلعم »، وفي (د): «زمن النَّبيِّ صلعم ».