إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أقبلت راكبًا على حمار أتان وأنا يومئذ

          76- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) كما في رواية كريمة (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) هو ابن أنس الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بتصغير «العبد» (بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بضمِّ العين وسكون المُثنَّاة الفوقيَّة وفتح المُوحَّدة (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (قَالَ: أَقْبَلْتُ) حال كوني (رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ) بفتح الهمزة وبالمُثنَّاة الفوقيَّة(1): الأُنثى من الحمير، ولمَّا كان الحمار شاملًا للذَّكر والأنثى خصَّصه بقوله: «أتانٍ»، وإنَّما لم يَقُلْ: حمارة، ويكتفي عن(2) تعميم «حمارٍ» ثمَّ تخصيصه(3)؛ لأنَّ التَّاء تحتمل الوحدة، كذا قاله الكِرمانيُّ، لكن تعقَّبه البرماويُّ بأنَّ «حمارًا» مُفرَدٌ، لا اسم جنسٍ جمعيٍّ كتمرٍ، وقال العينيُّ: الأحسن في الجواب أنَّ الحمارة قد تُطلَق على الفرس الهجين، كما قاله الصَّغانيُّ، فلو قال: على حمارةٍ لرُبَّما(4) كان يُفهَم أنَّه / أقبل على فرسٍ هجينٍ، وليس الأمر كذلك، على أنَّ الجوهريَّ حكى أنَّ الحمارة في الأنثى شاذَّةٌ(5)، و«أتانٍ» بالجرِّ والتَّنوين كسابقه على النَّعت، أو بدلِ الغلط، أو بدلِ بعضٍ من كلٍّ لأنَّ «الحمار» يُطلَق على الجنس فيشمل الذَّكر والأنثى، أو بدل كلٍّ من كلٍّ نحو: شجرةٌ زيتونةٌ، ويُروَى بإضافة ”حمارٍ“ إلى ”أتانٍ“ أي: حمار هذا النَّوع وهو الأتان، قال البدر الدَّمامينيُّ: قال سراج بن عبد الملك: كذا وجدته مضبوطًا(6) في بعض الأصول، واستنكرها السُّهيليُّ، وقال: إنَّما يجوِّزه مَنْ جَوَّزَ إضافة الشَّيء إلى نفسه إذا اختلف اللَّفظان، وذكر ابن الأثير أنَّ فائدة التَّنصيص على كونها أُنثى الاستدلال(7) بطريق الأولى على أنَّ الأنثى من بني آدم لا تقطع الصَّلاة لأنَّهنَّ(8) أشرف، وعُورِضَ: بأنَّ العلَّة ليست مُجرَّد الأنوثة فقط، بلِ الأنوثة بقيد البشريَّة لأنَّها مظنَّة الشَّهوة (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أي: قاربت (الاِحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي بِمِنًى) بالصَّرف وعدمه، والأَجْوَد الصَّرف، وكتابته بالألف، وسُمِّيت بذلك لِمَا يُمنَى _أي: يُرَاق_ بها من الدِّماء (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) قال في «فتح الباري»: أي: إلى غير سترةٍ أصلًا، قاله الشَّافعيُّ، وسياق الكلام يدلُّ عليه لأنَّ ابن عبَّاسٍ أورده في مَعْرِض الاستدلال على أنَّ المرور بين يديِ المصلِّي لا يقطع صلاته، ويؤيِّده رواية البزَّار بلفظ: «والنَّبيُّ صلعم يصلِّي المكتوبة ليس شيءٌ يستره» (فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ) أي: قُدَّام (بَعْضِ الصَّفِّ) فالتَّعبير بـ «اليد» مجازٌ، وإلَّا فالصَّفُّ لا يَدَ له (وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ) أي: تأكل، و«ترتع» مرفوعٌ(9)، والجملة في محلِّ نصبٍ على الحال من «الأتان»، وهي حالٌ مُقدَّرةٌ لأنَّه لم يرسلها في تلك الحال، وإنَّما أرسلها قبل مقدّرًا كونها على تلك الحال، وجوَّز ابن السِّيْد فيه أن يريد: «لترتع»، فلمَّا حُذِفَ النَّاصب رُفِع(10) كقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ }[الزمر:64] قاله البدر الدَّمامينيُّ، وقِيلَ: «ترتع»: تسرع في المشي، والأوَّل أَصْوَب، ويدلُّ عليه رواية المؤلِّف في «الحجِّ» [خ¦1857]: «نزلت عنها فرتعت» (وَدَخَلْتُ الصَّفَّ) وللكُشْمِيهَنِيِّ: ”فدخلت“ بالفاء ”في الصَّفِّ“ (فَلَمْ يُنْكَرْ) بفتح الكاف (ذَلِكَ عَلَيَّ) أي: لم ينكره عليَّ رسول الله صلعم ولا غيره، واستدلَّ المؤلِّف بسياق هذا على ما ترجم له وهو أنَّ التَّحمُّل لا يُشتَرط فيه كمال الأهليَّة، وإنَّما يُشتَرط عند الأداء، ويلحق بالصَّبيِّ في ذلك العبدُ، والفاسق، والكافر، وأدخل المصنِّف هذا الحديث في ترجمة «سماع الصَّبيِّ»، وليس فيه سماعٌ لتنزيل عدم إنكار المرور منزلة قوله: إنَّه جائزٌ، والمُرَاد من الصَّغير غيرُ البالغ، وذكره مع الصَّبيِّ من باب التَّوضيح والبيان(11).


[1] «بالمثنَّاة الفوقيَّة»: سقط من (ص).
[2] في (م): «يستغني عن لفظ أتان».
[3] قوله: «تعميم حمارٍ ثمَّ تخصيصه» سقط من (م).
[4] في (ص) و(م): «ربَّما».
[5] في (م): «شاذ».
[6] في (ص): «مبسوطًا».
[7] في (ص) و(م): «للاستدلال».
[8] في (ص): «الصَّلوات لأنَّها».
[9] في (ص): «مفعول»، وهو تحريفٌ.
[10] في (ص): «الرَّافع نُصِب»، وهو خطأٌ.
[11] وفي (ب): «للبيان».