إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها

          62- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) بفتح الميم وسكون الخاء، أبو الهيثم القَطَوانيُّ؛ بفتح القاف والطَّاء نسبةً لموضعٍ بالكوفة، البجليُّ(1) مولاهم الكوفيُّ، تُكلِّم فيه، وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأسَ به، المُتوفَّى في المُحرَّم سنة ثلاث عشْرة ومئتين، قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ، أبو محمَّدٍ التَّيميُّ القرشيُّ المدنيُّ الفقيه المشهور، وكان بربريًّا حسن الهيئة، وتُوفِّي سنة اثنتين وسبعين ومئةٍ في خلافة هارون الرَّشيد، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنه (قَالَ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً) زاد المؤلِّف في «باب الفهم في العلم» قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة، فقال: كنَّا عند النَّبيِّ صلعم ، فأُتِيَ بجُمَّارةٍ، فقال: «إنَّ من الشَّجر شجرةً» [خ¦72] (لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مِثْلُ) بكسر الأوَّل وسكون الثَّاني، وبفتحهما على ما مرَّ، أي: شبه (المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي) كذا في هذه(2) الرِّواية بغير فاءٍ على الأصل (مَا هِيَ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي) أي: ذهبت أفكارهم إليها دون النَّخلة، وسقطت لفظة «قال» من الرِّواية الأولى (قَالَ عَبْدُ اللهِ) بن عمر ☻ : (فَوَقَعَ فِي نَفْسِي) وفي الرِّواية السَّابقة: ”ووقع في نفسي“ (أَنَّهَا النَّخْلَةُ) وفي «صحيح أبي عوانة»: قال: فظننت(3) أنَّها النَّخلة من أجل الجُمَّار الذي أُتي به، زاد في رواية أبي ذرٍّ عنِ(4) المُستملي وأبي الوقت والأَصيليِّ: ”فاستحييت“ قال في رواية مجاهدٍ عند المؤلِّف في «باب الفهم في العلم» [خ¦72]: «فأردت أن أقول: هي النَّخلة، فإذا أنا أصغر القوم»، وعنده في «الأطعمة» [خ¦5444]: «فإذا أنا عاشر عشرة أنا أَحْدَثُهم»، وفي رواية نافعٍ [خ¦4698]: «ورأيت أبا بكرٍ وعمر لا يتكلَّمان، فكرهت أن أتكلَّم» (ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا) المُرَاد منه: الطَّلب والسُّؤال (مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ) ولابن عساكر: ”حدِّثنا يا رسول الله، قال: هي النَّخلة“، وللأَصيليِّ: ”ثمَّ قالوا: حدِّثنا يا رسول الله“ ووجه الشَّبه بين النَّخلة والمسلم: من جهة عدم سقوط الورق، كما رواه(5) الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث، كما ذكره السُّهيليُّ في «التَّعريف»، وقال: زاد زيادةً تساوي رحلةً، ولفظه: عن ابن عمر قال: كنَّا عند رسول الله صلعم ذات يومٍ، فقال: «إنَّ مثل المؤمن كمثل شجرةٍ لا يسقط لها أُبْلُمَةٌ، أتدرون ما هي؟» قالوا: لا. قال: «هي النَّخلة، لا يسقط لها أُنْمُلَة، ولا يسقط لمؤمنٍ دعوةٌ» فبيَّن وجه الشَّبه(6)، قال ابن حجرٍ: وعند المؤلِّف في «الأطعمة» من حديث ابن عمر: «بينما نحن عند النَّبيِّ صلعم إذ أُتي بجُمَّارةٍ، فقال: إن من الشَّجر لما بركته كبركة المسلم» [خ¦5444] وهذا أعمُّ من الذي قبله، وبركة النَّخلة موجودةٌ في جميع أجزائها، تستمرُّ في جميع أحوالها، فمن(7) حين تطلع إلى حين تيبس تُؤكَل أنواعًا، ثمَّ يُنتفَع بجميع أجزائها، حتَّى النَّوى في علف الدَّوابِّ، واللِّيف في الحبال، وغير ذلك ممَّا لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامَّةٌ في جميع الأحوال، ونفعه مستمرٌّ له ولغيره، وأمَّا من قال: إنَّ وجه الشَّبه كون النَّخلة خُلِقت من فضل طينة آدم فلم يثبت الحديث بذلك، النَّخلة لا يسقط ورقها، والمؤمن لا يتغيَّر إيمانه بخلاف أهوية أهل الباطل(8).
          وفائدة إعادته لهذا الحديث: اختلاف السَّند المُؤذِن بتعدُّد(9) مشايخه، واتِّساع روايته(10)، مع استفادة الحكم المترتِّب عليه، المقتضي لدقَّة نظره في تصرُّفه في تراجم أبوابه، والله الموفِّق والمعين.


[1] «البجليُّ»: سقط من (ص) و(م).
[2] «هذه»: سقط من (س).
[3] «قال: فظننت»: سقط من (ص).
[4] في (م): «و»، وليس بصحيحٍ.
[5] في الفتح: «ما رواه».
[6] «فبيَّن وجه الشَّبه»: سقط من (ص).
[7] في (ب) و(س): «من».
[8] قوله: «النَّخلة لا يسقط ورقها، والمؤمن لا يتغيَّر إيمانه بخلاف أهوية أهل الباطل» سقط من (س).
[9] في (ب)، (ص)، (س): «بتعداد».
[10] في (م): «رواياته».