4- (باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ)؛ [/ج1ص155/] أي: الذي يحدِّث غيره: (حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا)، وللأَصيليِّ وغيره: ((وأخبرنا))، (وَأَنْبَأَنَا) [1] ؛ هل بينها [2] فرقٌ أو الكلُّ واحدٌ؟ ولكريمة بإسقاط: ((وأنبأنا))، وللأَصيليِّ بإسقاط: ((وأخبرنا))، وثبت الجميع في رواية أبي ذرٍّ، (وقَالَ الْحُمَيْدِيُّ)؛ بضمِّ المُهمَلَة، وفتح الميم، فياءِ تصغيرٍ، وياءِ نسبةٍ، أبو بكر بن عبد الله بن الزُّبير المكِّيُّ، المذكور أوَّل الكتاب [خ¦1] : (كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ) سفيان، وللأَصيليِّ وكريمة: ((وقال لنا الحُمَيْدِيُّ))، وكذا ذكره أبو نعيمٍ في «المُستخرَج»، فهو متَّصلٌ، وأفاد جعفر بن حمدان [3] النَّيسابوريُّ: أنَّ كلَّ ما في البخاريِّ من «قال لي فلانٌ» فهو عرضٌ أو [4] مناولةٌ، (حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا)، لا فرق بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلِّف [5] كما يعطيه قوَّة تخصيصه بذكره عن شيخه الحُمَيْدِيِّ من غير ذكر ما يخالفه، وهو مرويٌّ أيضًا عن مالكٍ، والحسن البصريِّ، ويحيى بن سعيدٍ القطَّان، ومُعظَم الكوفيِّين والحجازيِّين، وممَّن رواه أيضًا [6] عن مالكٍ: إسماعيلُ بن أبي أُويسٍ، فإنَّه قال: إنَّه سُئِل عن حديثٍ أسماعٌ هو؟ فقال: منه سماعٌ، ومنه عَرْضٌ، وليس العرض عندنا بأدنى من السَّماع، وقال القاضي عياضٌ: لا خلاف أنَّه يجوز في السَّماع من لفظ الشَّيخ أن يقول السَّامع فيه: حدَّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعته يقول، وقال لنا فلانٌ، وذكر لنا فلانٌ، وإليه مال الطَّحاويُّ، وصحَّح هذا المذهب ابنُ الحاجب، ونقل هو وغيره: أنَّه مذهبُ الأئمَّة الأربعة، ومنهم مَنْ رأى إطلاق ذلك؛ حيث يقرأ الشَّيخ من لفظه، وتقييده حيث [7] يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهويه، والنَّسائيِّ، وابن حبَّان، وابن منده، وغيرهم، وقال آخرون: بالتَّفرقة بين الصِّيغ بحسب افتراق [8] التَّحمُّل، فلِمَا سمعه من لفظ الشَّيخ: سمعت أو حدَّثنا، ولما قرأه على الشَّيخ: أخبرنا، والأَحْوَط: الإفصاح بصورة الواقع، فيقول إن كان قرأ: قرأت على فلانٍ، أو: أخبرنا بقراءتي عليه، وإن كان سمع: قرأ عليَّ فلانٌ وأنا أسمع، أو: أخبرنا فلانٌ قراءةً عليه وأنا أسمع، وأنبأنا ونبَّأنا _بالتَّشديد_ للإجازة التي يشافه بها الشَّيخ من يجيزه [9] ، وهذا مذهب ابن جريجٍ، والأوزاعيِّ، وابن وهبٍ، وجمهور أهل المشرق، ثمَّ أحدث أتباعهم تفصيلًا آخر؛ فمن سمع وحده من لفظ الشَّيخ؛ أَفردَ، فقال: حدَّثني، ومن سمع مع غيره؛ جَمَعَ، فقال: حدَّثنا، ومن قرأ بنفسه على الشَّيخ؛ أفرد، فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره؛ جَمَعَ؛ فقال: أخبرنا، وأمَّا «قال لنا» أو «قال لي»، أو [10] «ذكر لنا» و«ذكر لي»؛ ففيما سمع في [11] حال المُذاكَرَة، وجزم ابن منده بأنَّه للإجازة، وكذا قال أبو يعقوب الحافظ، وقال أبو جعفر بن حمدان [12] : إنَّه عرضٌ ومُناوَلَةٌ، قال في «فتح المغيث»: وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتِّصال أيضًا على رأي الجمهور، لكنَّه مردودٌ عليهم، فقد أخرج البخاريُّ في «الصَّوم» من «صحيحه» [خ¦1933] حديث أبي هريرة فقال: قال: «إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب...»، فقال فيه: «حدَّثنا عبدان»، وأورده في «تاريخه» بصيغة: قال لي عبدان، وكذا [13] أورد حديثًا [14] في «التَّفسير» من «صحيحه» عن إبراهيم بن موسى بصيغة التَّحديث [خ¦4912] ، ثم أورده في «الأيمان والنُّذور» منه أيضًا بصيغة: «قال لي إبراهيم بن موسى» [خ¦بعد6691] في أمثلةٍ كثيرةٍ، قال: وحقَّقه شيخنا باستقرائه لها أنَّه إنَّما يأتي بهذه الصِّيغة _يعني: بانفرادها_ إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه، كأنْ يكون [15] ظاهره الوقف، أو في السَّند من ليس على شرطه في الاحتجاج، وذلك في المُتابَعات والشَّواهد، وإنَّما خصُّوا قراءة الشَّيخ بـ: «حدَّثنا»؛ لقوَّة إشعاره بالنُّطق والمُشافَهَة، وينبغي مُلاحَظَة هذا الاصطلاح؛ لِئلَّا يختلط المسموع بالمُجَاز، قال الإسفراينيُّ: لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول: «حدَّثنا»، ولا فيما سمع لفظًا أن يقول: «أخبرنا»؛ إذ بينهما فرقٌ ظاهرٌ، ومن لم يحفظ ذلك على نفسه؛ كان من المدلِّسين.
ثمَّ عطف المؤلِّف ثلاثةَ تعاليقَ يؤيِّد بها مذهبه في التَّسوية بين الصِّيغ الأربعة، فقال: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عبد الله رضي الله عنه: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ) في نفس الأمر (الْمَصْدُوقُ)؛ بالنِّسبة إلى الله تعالى، أو إلى النَّاس، أو بالنِّسبة إلى ما قاله غيره [16] ؛ أي: جبريل له، وهذا طرفٌ من حديث وصله المؤلِّف في «القدر» [خ¦6594] ، (وَقَالَ شَقِيقٌ)؛ بفتح المُعجَمَة، أبو وائلٌ السَّابق في باب «خوف المؤمن أن يحبط عمله» من كتاب «الإيمان» [خ¦48] : (عَنْ عَبْدِ اللهِ)؛ أي: ابن مسعودٍ، وإذا [/ج1ص156/] أُطلِق؛ كان هو المُراد من بين العبادلة، (سَمِعْتُ النَّبِيَّ)، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ((سمعت مِنَ النَّبيِّ)) (صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً)، وهذا وصله المؤلِّف في «الجنائز» [خ¦4497] ، (وَقَالَ حُذَيْفَةُ) بن اليمان، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، المُتوفَّى بالمدائن سنة ستٍّ وثلاثين، بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلةً، ومقول قوله: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ)، وهذا وصله المؤلِّف في «الرِّقاق» [خ¦6497] ، وساق التَّعاليق الثَّلاثة؛ تنبيهًا على أنَّ الصَّحابيَّ تارةً يقول: «حدَّثنا»، وتارةً يقول: «سمعت»، فدلَّ على عدم الفرق بينهما.
ثمَّ عطف على هذه الثَّلاثة [17] ثلاثةً [18] أخرى، فقال: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ)؛ بالمُهمَلَة والمُثنَّاة التَّحتيَّة؛ هو رُفَيعٌ _بضمِّ الرَّاء وفتح الفاء_ ابن مِهران _بكسر الميم_ الرِّياحيُّ؛ بالمُثنَّاة التَّحتيَّة والحاء المُهمَلة، أسلم بعد موته صلى الله عليه وسلم بسنتين، وتُوفِّي سنة تسعين [19] ، وقال العينيُّ _كالقطب الحلبيِّ_: هو البرَّاء؛ بتشديد الرَّاء؛ نسبةً لبري النَّبل، واسمه: زياد بن فيروزٍ، القرشيُّ البصريُّ، المُتوفَّى سنة تسعين، قال ابن حجرٍ: وهو وهمٌ؛ فإنَّ الحديث المذكور معروفٌ برواية الرِّياحيِّ دونه، وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يروي عن ابن عبَّاسٍ، وترجيح أحدهما على [20] الآخر في رواية هذا الحديث عن ابن عبَّاسٍ يحتاج إلى دليلٍ، وبأنَّ قوله: «فإنَّ الحديث المذكور معروفٌ برواية الرِّياحيِّ دونه» يحتاج إلى نقلٍ عن أحدٍ يُعتمَد عليه، وأجاب في «انتقاض الاعتراض»: بأنَّ المصنِّف وصله في «التَّوحيد» [خ¦7539] ، ولو راجعه العينيُ من هناك؛ لَمَا احتاج إلى طلب الدَّليل، (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي [21] عَنْ رَبِّهِ) عزَّ وجلَّ، (وَقَالَ أَنَسٌ) بن مالكٍ رضي الله عنه: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وللأَصيليِّ: ((فيما يرويه عن ربِّه))، (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) ولأبوَي ذَرٍّ والوقت: ((تبارك وتعالى)) بدلًا عن قوله: «عزَّ وجلَّ» [22] ؛ بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذه التَّعاليق الثَّلاثة وصلها المؤلِّف في كتاب «التَّوحيد» [خ¦7538] ، وأوردها هنا؛ تنبيهًا على حكم المُعنعَن، والذي ذهب إليه هو وأئمَّة [23] جمهور المحدِّثين أنَّه موصولٌ إذا أتى عن رواةٍ مُسمَّين، معروفين بشرط السَّلامة واللِّقاء، وهو مذهب ابن المدينيِّ وابن عبد البرِّ والخطيب وغيرهم، وعَزَاه النَّوويُّ للمحقِّقين، بل هو مُقتضى كلام الشَّافعيِّ. نعم؛ لم يشترطه مسلمٌ، بل أنكر اشتراطه في مقدِّمة «صحيحه»، وادَّعى أنَّه قول مُخترَعٌ لم يسبق قائله إليه، وأنَّ القول الشَّائع المُتفَّق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا [24] : ما ذهب هو إليه من عدم اشتراطه، لكنَّه اشترط تعاصرهما فقط، وإن لم يأت في خبرٍ قطُّ أنَّهما اجتمعا أو [25] تشافها؛ يعني: تحسينًا للظَّنِّ بالثقة، وفيما قاله نظرٌ يطول ذكره.
(4) بابُ [1] قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدَّثنا أَوْ أخبَرَنا [2]
وقالَ لَنا الحُمَيْدِيُّ: كانَ عند ابْنِ عُيَيْنَةَ حدَّثنا وأخبَرَنا وأَنْبأَنا وَسَمِعْتُ واحِدًا.
وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حدَّثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ.
وقالَ شَقِيقٌ عن عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ [3] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً.
وقالَ حُذَيْفَةُ: حدَّثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ.
وقالَ أَبُو العالِيَةِ: عن ابْنِ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْوِي عن رَبِّهِ عزَّ وَجَلَّ.
وقالَ أَنَسٌ: عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ [4] عن رَبِّهِ عزَّ وَجَلَّ.
وقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عن رَبِّكُمْ عزَّ وَجَلَّ [5] .
4- (باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ)؛ [/ج1ص155/] أي: الذي يحدِّث غيره: (حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا)، وللأَصيليِّ وغيره: ((وأخبرنا))، (وَأَنْبَأَنَا) [1] ؛ هل بينها [2] فرقٌ أو الكلُّ واحدٌ؟ ولكريمة بإسقاط: ((وأنبأنا))، وللأَصيليِّ بإسقاط: ((وأخبرنا))، وثبت الجميع في رواية أبي ذرٍّ، (وقَالَ الْحُمَيْدِيُّ)؛ بضمِّ المُهمَلَة، وفتح الميم، فياءِ تصغيرٍ، وياءِ نسبةٍ، أبو بكر بن عبد الله بن الزُّبير المكِّيُّ، المذكور أوَّل الكتاب [خ¦1] : (كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ) سفيان، وللأَصيليِّ وكريمة: ((وقال لنا الحُمَيْدِيُّ))، وكذا ذكره أبو نعيمٍ في «المُستخرَج»، فهو متَّصلٌ، وأفاد جعفر بن حمدان [3] النَّيسابوريُّ: أنَّ كلَّ ما في البخاريِّ من «قال لي فلانٌ» فهو عرضٌ أو [4] مناولةٌ، (حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا)، لا فرق بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلِّف [5] كما يعطيه قوَّة تخصيصه بذكره عن شيخه الحُمَيْدِيِّ من غير ذكر ما يخالفه، وهو مرويٌّ أيضًا عن مالكٍ، والحسن البصريِّ، ويحيى بن سعيدٍ القطَّان، ومُعظَم الكوفيِّين والحجازيِّين، وممَّن رواه أيضًا [6] عن مالكٍ: إسماعيلُ بن أبي أُويسٍ، فإنَّه قال: إنَّه سُئِل عن حديثٍ أسماعٌ هو؟ فقال: منه سماعٌ، ومنه عَرْضٌ، وليس العرض عندنا بأدنى من السَّماع، وقال القاضي عياضٌ: لا خلاف أنَّه يجوز في السَّماع من لفظ الشَّيخ أن يقول السَّامع فيه: حدَّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعته يقول، وقال لنا فلانٌ، وذكر لنا فلانٌ، وإليه مال الطَّحاويُّ، وصحَّح هذا المذهب ابنُ الحاجب، ونقل هو وغيره: أنَّه مذهبُ الأئمَّة الأربعة، ومنهم مَنْ رأى إطلاق ذلك؛ حيث يقرأ الشَّيخ من لفظه، وتقييده حيث [7] يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهويه، والنَّسائيِّ، وابن حبَّان، وابن منده، وغيرهم، وقال آخرون: بالتَّفرقة بين الصِّيغ بحسب افتراق [8] التَّحمُّل، فلِمَا سمعه من لفظ الشَّيخ: سمعت أو حدَّثنا، ولما قرأه على الشَّيخ: أخبرنا، والأَحْوَط: الإفصاح بصورة الواقع، فيقول إن كان قرأ: قرأت على فلانٍ، أو: أخبرنا بقراءتي عليه، وإن كان سمع: قرأ عليَّ فلانٌ وأنا أسمع، أو: أخبرنا فلانٌ قراءةً عليه وأنا أسمع، وأنبأنا ونبَّأنا _بالتَّشديد_ للإجازة التي يشافه بها الشَّيخ من يجيزه [9] ، وهذا مذهب ابن جريجٍ، والأوزاعيِّ، وابن وهبٍ، وجمهور أهل المشرق، ثمَّ أحدث أتباعهم تفصيلًا آخر؛ فمن سمع وحده من لفظ الشَّيخ؛ أَفردَ، فقال: حدَّثني، ومن سمع مع غيره؛ جَمَعَ، فقال: حدَّثنا، ومن قرأ بنفسه على الشَّيخ؛ أفرد، فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره؛ جَمَعَ؛ فقال: أخبرنا، وأمَّا «قال لنا» أو «قال لي»، أو [10] «ذكر لنا» و«ذكر لي»؛ ففيما سمع في [11] حال المُذاكَرَة، وجزم ابن منده بأنَّه للإجازة، وكذا قال أبو يعقوب الحافظ، وقال أبو جعفر بن حمدان [12] : إنَّه عرضٌ ومُناوَلَةٌ، قال في «فتح المغيث»: وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتِّصال أيضًا على رأي الجمهور، لكنَّه مردودٌ عليهم، فقد أخرج البخاريُّ في «الصَّوم» من «صحيحه» [خ¦1933] حديث أبي هريرة فقال: قال: «إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب...»، فقال فيه: «حدَّثنا عبدان»، وأورده في «تاريخه» بصيغة: قال لي عبدان، وكذا [13] أورد حديثًا [14] في «التَّفسير» من «صحيحه» عن إبراهيم بن موسى بصيغة التَّحديث [خ¦4912] ، ثم أورده في «الأيمان والنُّذور» منه أيضًا بصيغة: «قال لي إبراهيم بن موسى» [خ¦بعد6691] في أمثلةٍ كثيرةٍ، قال: وحقَّقه شيخنا باستقرائه لها أنَّه إنَّما يأتي بهذه الصِّيغة _يعني: بانفرادها_ إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه، كأنْ يكون [15] ظاهره الوقف، أو في السَّند من ليس على شرطه في الاحتجاج، وذلك في المُتابَعات والشَّواهد، وإنَّما خصُّوا قراءة الشَّيخ بـ: «حدَّثنا»؛ لقوَّة إشعاره بالنُّطق والمُشافَهَة، وينبغي مُلاحَظَة هذا الاصطلاح؛ لِئلَّا يختلط المسموع بالمُجَاز، قال الإسفراينيُّ: لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول: «حدَّثنا»، ولا فيما سمع لفظًا أن يقول: «أخبرنا»؛ إذ بينهما فرقٌ ظاهرٌ، ومن لم يحفظ ذلك على نفسه؛ كان من المدلِّسين.
ثمَّ عطف المؤلِّف ثلاثةَ تعاليقَ يؤيِّد بها مذهبه في التَّسوية بين الصِّيغ الأربعة، فقال: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عبد الله رضي الله عنه: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ) في نفس الأمر (الْمَصْدُوقُ)؛ بالنِّسبة إلى الله تعالى، أو إلى النَّاس، أو بالنِّسبة إلى ما قاله غيره [16] ؛ أي: جبريل له، وهذا طرفٌ من حديث وصله المؤلِّف في «القدر» [خ¦6594] ، (وَقَالَ شَقِيقٌ)؛ بفتح المُعجَمَة، أبو وائلٌ السَّابق في باب «خوف المؤمن أن يحبط عمله» من كتاب «الإيمان» [خ¦48] : (عَنْ عَبْدِ اللهِ)؛ أي: ابن مسعودٍ، وإذا [/ج1ص156/] أُطلِق؛ كان هو المُراد من بين العبادلة، (سَمِعْتُ النَّبِيَّ)، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ((سمعت مِنَ النَّبيِّ)) (صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً)، وهذا وصله المؤلِّف في «الجنائز» [خ¦4497] ، (وَقَالَ حُذَيْفَةُ) بن اليمان، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، المُتوفَّى بالمدائن سنة ستٍّ وثلاثين، بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلةً، ومقول قوله: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ)، وهذا وصله المؤلِّف في «الرِّقاق» [خ¦6497] ، وساق التَّعاليق الثَّلاثة؛ تنبيهًا على أنَّ الصَّحابيَّ تارةً يقول: «حدَّثنا»، وتارةً يقول: «سمعت»، فدلَّ على عدم الفرق بينهما.
ثمَّ عطف على هذه الثَّلاثة [17] ثلاثةً [18] أخرى، فقال: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ)؛ بالمُهمَلَة والمُثنَّاة التَّحتيَّة؛ هو رُفَيعٌ _بضمِّ الرَّاء وفتح الفاء_ ابن مِهران _بكسر الميم_ الرِّياحيُّ؛ بالمُثنَّاة التَّحتيَّة والحاء المُهمَلة، أسلم بعد موته صلى الله عليه وسلم بسنتين، وتُوفِّي سنة تسعين [19] ، وقال العينيُّ _كالقطب الحلبيِّ_: هو البرَّاء؛ بتشديد الرَّاء؛ نسبةً لبري النَّبل، واسمه: زياد بن فيروزٍ، القرشيُّ البصريُّ، المُتوفَّى سنة تسعين، قال ابن حجرٍ: وهو وهمٌ؛ فإنَّ الحديث المذكور معروفٌ برواية الرِّياحيِّ دونه، وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يروي عن ابن عبَّاسٍ، وترجيح أحدهما على [20] الآخر في رواية هذا الحديث عن ابن عبَّاسٍ يحتاج إلى دليلٍ، وبأنَّ قوله: «فإنَّ الحديث المذكور معروفٌ برواية الرِّياحيِّ دونه» يحتاج إلى نقلٍ عن أحدٍ يُعتمَد عليه، وأجاب في «انتقاض الاعتراض»: بأنَّ المصنِّف وصله في «التَّوحيد» [خ¦7539] ، ولو راجعه العينيُ من هناك؛ لَمَا احتاج إلى طلب الدَّليل، (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي [21] عَنْ رَبِّهِ) عزَّ وجلَّ، (وَقَالَ أَنَسٌ) بن مالكٍ رضي الله عنه: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وللأَصيليِّ: ((فيما يرويه عن ربِّه))، (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) ولأبوَي ذَرٍّ والوقت: ((تبارك وتعالى)) بدلًا عن قوله: «عزَّ وجلَّ» [22] ؛ بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذه التَّعاليق الثَّلاثة وصلها المؤلِّف في كتاب «التَّوحيد» [خ¦7538] ، وأوردها هنا؛ تنبيهًا على حكم المُعنعَن، والذي ذهب إليه هو وأئمَّة [23] جمهور المحدِّثين أنَّه موصولٌ إذا أتى عن رواةٍ مُسمَّين، معروفين بشرط السَّلامة واللِّقاء، وهو مذهب ابن المدينيِّ وابن عبد البرِّ والخطيب وغيرهم، وعَزَاه النَّوويُّ للمحقِّقين، بل هو مُقتضى كلام الشَّافعيِّ. نعم؛ لم يشترطه مسلمٌ، بل أنكر اشتراطه في مقدِّمة «صحيحه»، وادَّعى أنَّه قول مُخترَعٌ لم يسبق قائله إليه، وأنَّ القول الشَّائع المُتفَّق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا [24] : ما ذهب هو إليه من عدم اشتراطه، لكنَّه اشترط تعاصرهما فقط، وإن لم يأت في خبرٍ قطُّ أنَّهما اجتمعا أو [25] تشافها؛ يعني: تحسينًا للظَّنِّ بالثقة، وفيما قاله نظرٌ يطول ذكره.
قوله: (بابُ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ «حَدَّثَنَا» و«أَخْبَرَنَا و«أَنْبَأَنَا») (المحدِّث): بكسر الدَّال المهملة المشدَّدة، وهو الشيخ المسمِّع [1] ، وقوله: (حدَّثنا وأخبرنا وأنبأنا): الكلام في ذلك معروف في علوم الحديث؛ فلا نطوِّل به، ومن أراده؛ فعليه بكتبه.
قوله: (وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الحاء، وأنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخ روى عنه البخاريُّ في هذا «الصَّحيح»؛ فانظره إنْ أردته.
قوله: (وَقَالَ حُذَيْفَةُ): هو ابن اليماني حِسل -ويقال: حُسَيل- ابن جابر بن عمرو، أبو عبد الله العبسيُّ _ بالموحَّدة-، صحابيٌّ مشهور الترجمة، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، والصحيح في (اليماني) و (ابن الهادي) و (ابن أبي الموالي) و (ابن العاصي) إثبات الياء، قاله النَّوويُّ، وفي الصَّحابة من اسمه حذيفة غيره -فيما أعلم- ستَّةٌ؛ الذي له رواية: هو وابن أَسِيد روى له أيضًا مسلم والأربعة، والباقون لا أعلم لهم رواية، والله أعلم، تُوفِّي حذيفة سنة (36 هـ ) ، وهو صاحب السِّرِّ، منعَهُ وأباه شهودَ بدر استحلافُ الجاهليَّة لهما.
قوله: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ [2] : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): بخطِّ بعض الفضلاء في الهامش تجاه (أبي العالية): (اسمه رفيع بن مهران) انتهى، وقال شيخنا الشَّارح هنا: (أبو العالية البرَّاء -بالراء المشدَّدة- واسمه زياد بن فيروز، أو أُذَيْنَة، أو كلثوم، أو زياد بن أُذَينة؛ أقوال، البصريُّ، القرشيُّ مولاهم، التابعيُّ، سمع ابن عمر وغيره، مات سنة (90 هـ ) ، وإنَّما قيل له: البرَّاء؛ لأنَّه كان يبري النبل، ومثله أبو معشر البرَّاء..) إلى آخر كلامه.
وقد راجعت ترجمة زياد بن فيروز؛ فوجدته أيضًا عنِ ابن عبَّاس، وراجعت كلام أبي عليٍّ الجيَّانيِّ؛ فرأيته ذكرهما، فقال: (تابعيَّان من أهل البصرة) ، وترجمهما، لكن لَمْ يعيِّن من هو الراوي هنا، ثُمَّ راجعت «أطراف المزِّيِّ» في ترجمة رفيع أبي العالية الرِّياحيِّ؛ فرأيته قد ذكر هذا الحديث في ترجمته عنِ ابن عبَّاس، وعزاه أيضًا إلى البخاريِّ في (أحاديث الأنبياء) ، و (التوحيد) ، وفي (التفسير) ، وفي (التَّوحيد) أيضًا: (قال لي [3] خليفة) ؛ فذكره، وقد راجعت (كتاب التوحيد) في (باب ذكر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وروايته عن ربِّه) ؛ فوجدت الحديث بعينه، وأمَّا أبو العالية زياد بن فيروز؛ فإنَّه لَمْ يُذكَر له عنِ ابن عبَّاس غير حديث واحد، وهو في «البخاريِّ»، و«مسلم»، و«النسائيِّ»، ومتنه: (قدم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه لصبح رابعة يلبُّون بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلَّا من كان معه الهدي) ، فالصواب إذن: ما في الحاشية لا ما قاله شيخنا الشَّارح، والله أعلم.
وأمَّا أبو العالية _ رُفَيع؛ هو بضمِّ الراء، وفتح الفاء، ابن مهران الرِّياحيُّ -بكسر الراء، ثُمَّ مُثنَّاة تحت- مولاهم، البصريُّ؛ فرأى الصِّدِّيق، وروى عن عمر وأُبيٍّ، وعنه: عاصم الأحول، وداود بن أبي هند، قالت حفصة بنت سيرين: (سمعته يقول: قرأت القرآن على عمر ثلاث مرَّات) ، تُوفِّي سنة (90 هـ ) ، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم، له ترجمة في «الميزان»، وكذا في «الكامل» لابن عديٍّ، وهو ثقة، وأمَّا قول الشَّافعيِّ: (حديث أبي العالية الرِّياحيِّ رِياح) ؛ فإنَّما أراد به حديثه الذي أرسله في القهقهة فقط، ومذهب الشَّافعيِّ أنَّ المراسيل ليست بحجَّة (إلَّا بشروط، والشروط مذكورة في كتب الحديث، فإن أردتها؛ فانظرها، وهي في كلام الشَّافعيَّة أيضًا) [4] ، فأمَّا إذا أسند أبو العالية؛ فحجَّةٌ، وقد أفرد الخليليُّ الحافظ حديث القهقهة بالتأليف، وقد رويته، والله أعلم.
قوله: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ): هو عبد الرحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا تقدَّم مرَّات، وتقدَّم ما فيه [5] .
( وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ ) في رواية كريمة، والأَصِيلي: «وقال لنا».
( حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا ) سقط ( أنبأنا ) عند كريمة، و ( أخبرنا ) عند الأَصِيلي. [/ج1ص225/]
هذا ((باب قول المحدِّث)) اللغوي؛ وهو الذي يحدِّث غيرَه، لا الاصطلاحي؛ وهو الذي يشتغل بالحديث النبوي: ((حدثنا أو أخبرنا)) وفي رواية: (وأخبرنا) ، ((وأنبأنا)) ، هل فيه فرقٌ أم الكلُّ واحد؟ وفي رواية: إسقاط (وأنبأنا) ، وفي أخرى: إسقاط (وأخبرنا) .
((وقال)) لنا ((الحُمَيْدِي)) ؛ بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، فياءُ تصغير، وياء نسبة: أبو بكر عبد الله بن الزبير، القرشي الأسدي المكي: ((كان ابن عُيَيْنَة)) ؛ بضم العين المهملة، ومثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وفتحِ النون: سفيان، وفي رواية: (وقال لنا الحميدي) : ((«حدثنا» و«أخبرنا» و«أنبأنا» و«سمعتُ» واحدًا)) ؛ أي: بمعنًى واحد، لا فرقَ بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلف، زاد القاضي عِياض: (وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان، وأنه لا خلاف [في] ذلك) وإليه مال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وصححه ابن الحاجب، وقال الحاكم: إنه مذهب الأئمة الأربعة، والزهري، ويحيى القطان وغيرهم، وقيل: بالمنع في القراءة على الشيخ إلَّا مقيَّدًا؛ مثل: حدثنا فلان قراءةً عليه، وأخبرنا قراءةً عليه، وقيل: بالمنع في (حدثنا) ، وبالجواز في (أخبرنا) ، وبه قال الشافعي، ومسلم، وابن جريج، والأوزاعي، والنسائي، وهذا اصطلاح بينهم أرادوا به التمييز بين النوعين، وخصُّوا قراءةَ الشيخ بـ (حدثنا) .
وفصَّل المتأخِّرون أنَّه متى سمع وحدَه من الشيخ؛ أفرد فقال: حدثني، أو أخبرني، أو سمعتُ، ومتى سمع مع غيره؛ جَمَعَ فقال: حدثنا أو أخبرنا، ومتى قرأ بنفسه على الشيخ؛ أفرد فقال: أخبرني، وخصُّوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ مَن يخبره، وكله مستحسن، وليس بواجبٍ عندَهم، وتمامه في «عمدة القاري».
((وقال ابن مسعود)) عبد الله رضي الله عنه: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق)) في نفس الأمر ((المصدوق)) بالنسبة إلى الله تعالى، أو إلى الناس، أو بالنسبة إلى ما قاله غيره -أي: جبريل- له، وهذا طرف من حديث وصله المؤلف في (القدر) .
((وقال شَقيق)) ؛ بفتح المعجمة: أبو وائل بن مسلمة الأسدي الكوفي التابعي، ((عن عبد الله)) ؛ أي: ابن مسعود، وإذا أُطلق كان هو المراد من بين العبادلة، كما أنه إذا أُطلق الإمام الأعظم؛ كان المراد به أبا حنيفة النعمان التابعي الجليل، وكذا إذا أُطلق إمام الأئمة كان هو المراد أيضًا، رضي الله عنه؛ فليحفظ.
وقيل لمالك: إمام الأئمة؛ أي: أئمة مذهبه لا إمام المجتهدين؛ لأنَّ إمام المجتهدين على الإطلاق ورئيسهم بلا نزاع إمامنا الأعظم، التابعي الجليل؛ لأنَّه شيخ مالك، ومالك شيخ الشافعي، والشافعي شيخ أحمد ابن حنبل؛ فليحفظ، ولا تغترَّ بقول بعض الناس؛ فإنَّه ناشئ عن تعصبهم وتعنتهم، وإنَّما هذا هو التحقيق؛ فليحفظ.
((سمعتُ النبي)) الأعظم، وفي رواية: (سمعت من النبي) الأعظم ((صلى الله عليه وسلم كلمة)) وهذا وصله المؤلف في (الجنائز) .
((وقال حذيفة)) بن اليمان صاحب سِرِّ رسول الله عليه السلام في المنافقين، العبسي الأنصاري، واسم اليمان حِسْل؛ بكسر الحاء وسكون السين المهملتين، المتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة، ومقول قوله: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين)) ، وهذا وصله المؤلف في (الرقاق) .
فاستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة؛ حيث إن الصحابي تارة يقول: حدثنا، وتارة يقول: سمعت، على عدم الفرق بينهما، ثم عطف عليها ثلاثة أخرى فقال: ((وقال أبو العالية)) ؛ بالمهملة والمثناة التحتية: رُفيع؛ بضم الراء وفتح الفاء: ابن مهران؛ بكسر الميم، الرياحي؛ بالمثناة التحتية والحاء المهملة، أسلم بعد موت النبي الأعظم عليه السلام بسنتين، وتوفي سنة تسعين، كذا قاله الكرماني، وتبعه ابن حجر والقسطلاني، وردَّه الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وقال: إنه البرَّاء؛ بتشديد الراء، واسمه زياد بن فيروز البصري القرشي، المتوفى سنة تسعين؛ فافهم، ((عن ابن عباس)) عبد الله رضي الله عنهما، ((عن النبي)) الأعظم ((صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل)) ، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) .
((وقال أنس)) بن مالك رضي الله عنه، ((عن النبي)) الأعظم ((صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل)) ، وفي رواية: (فيما يرويه عن ربه) ، وفي أخرى: (تبارك وتعالى) بدلًا عن قوله: (عز وجل) ، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.
((وقال أبو هريرة)) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، ((عن النبي)) الأعظم ((صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم عز وجل)) ؛ بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.
واستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة على حكم المعنعن، وأن حكمه الوصل عند ثبوت السلامة واللُّقِي، وهو مذهب جمهور المحدِّثين وغيرهم، وردَّه مسلمٌ ولم يشترط ذلك، وعلى أنَّ رواية النبي الأعظم عليه السلام إنَّما هي عن ربه سواء صرح بذلك الصحابي أم لا؛ لأنَّ ابن عباس روى عنه حديثه المذكور في موضع آخر، ولم يذكر فيه عن ربه، ولفظُ الرواية شاملٌ لجميع الأقسام المذكورة، وكذا لفظ العنعنة؛ لاحتماله كلًّا من هذه الألفاظ الثلاثة.