إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة

          59- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ) بكسر السِّين المُهمَلَة وبالنُّونين، أبو بكرٍ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ) بضمِّ الفاء وفتح اللَّام وبسكون المثنَّاة التَّحتيَّة وفي آخره حاءٌ مُهمَلَةٌ، وهو لَقَبٌ له، واسمه: عبد الملك، وكنيته: أبو يحيى (ح) قال البخاريُّ: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد، وفي رواية ابن عساكر ”قال: وحدَّثنا“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) المدنيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ) المذكور (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، وفي رواية الأَصيليِّ وابن عساكر وأبي الوقت ”حدَّثنا“ (أَبِي) فُلَيْحٌ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ) ويُقَال له: هلال بن أبي(1) ميمونة، وهلال بن أبي هلالٍ، وهلال ابن أسامة؛ نسبةً إلى جدِّه، وقد يظن أنَّهم(2) أربعةٌ، والكلُّ واحدٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مولى ميمونة بنت الحارث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرَّحمن بن صخرٍ أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (النَّبِيُّ صلعم فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ) أي: الرِّجال فقط، أو والنِّساء تبعًا لأنَّ «القومَ» شاملٌ للرِّجال والنِّساء (جَاءَهُ) أي: النَّبيَّ صلعم (أَعْرَابِيٌّ) الأعراب سكَّان البادية، لا واحد له من لفظه، ولم يُعرف اسمه. نعم؛ سمَّاه أبو العالية _فيما(3) نقله عنه البرماويُّ_ رُفيعًا، وفيه استعمال «بينما» بدون «إذ» و«إذا»، وهو فصيحٌ (فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟) استفهامٌ عن الوقت الذي تقوم فيه (فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلعم يُحَدِّثُ) أي: القوم، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذَرٍّ(4) عن المُستملي والحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”يحدِّثه“ بالهاء، أي: يحدِّث القومَ الحديث الذي كان فيه، فلا يعود الضَّمير المنصوب على الأعرابيِّ (فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ) ╕ (مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ) أي: الذي قاله، فحُذِفَ العائد (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ) قوله، و«بل» حرف إضرابٍ وَلِيَهُ هنا جملةٌ؛ وهي «لم يسمع» فيكون بمعنى الإبطال لا العطف، والجملة اعتراضٌ بين «فمضى» وبين قوله (حَتَّى إِذَا قَضَى) صلعم (حَدِيثَهُ) فـ «حتَّى إذا»(5) يتعلَّق بقوله: «فمضى يحدِّث» لا بقوله: «لم يسمع»، وإنَّما لم يُجِبْهُ ╕ ؛ لأنَّه يحتمل أن يكون لانتظار الوحي، أو يكون(6) مشغولًا بجواب سائلٍ آخر، ويُؤخَذ منه: أنَّه ينبغي للعالِم والقاضي ونحوهما رعاية تقدُّم الأسبق فالأسبق (قَالَ) صلعم : (أَيْنَ _أُرَاهُ_) بضمِّ الهمزة، أي: أظنُّ أنَّه قال: أين (السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟) أي: عن زمانها، والشَّكُّ من محمَّد بن فُلَيْحٍ، ولم يضبط همزة «أُراه» في «اليونينيَّة»، وفي روايةٍ: ”أين السَّائل“، وهو في الرِّوايتين: بالرَّفع على الابتداء، وخبره «أين» المقدَّم(7)، وهو سؤالٌ عنِ المكان، بُنِيَ لتضمُّنه حرف الاستفهام (قَالَ) الأعرابيُّ: (هَا أَنَا) السَّائلُ (يَا رَسُولَ اللهِ) فـ «السَّائل» المُقدَّر خبرُ المبتدأ الذي هو «أنا» / ، و«ها» حرف تنبيهٍ (قَالَ) صلعم : (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ) الأعرابيُّ: (كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ) ╕ مجيبًا له: (إِذَا وُسِّدَ) بضمِّ الواوِ وتشديد السين، أي: جُعِلَ (الأَمْرُ) المتعلِّق بالدِّين كالخلافة والقضاء والإفتاء (إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ) أي: بولاية غير أهل الدِّين والأمانات (فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) الفاء للتَّفريع، أو جواب شرطٍ محذوفٍ، أي: إذا كان الأمر كذلك فانتظرِ السَّاعة، ولا يُقَال: هي جوابُ «إذا وُسِّدَ» لأنَّها لا تتضمَّن ههنا معنى الشَّرط، وقال ابن بطَّالٍ فيه: إنَّ الأئمَّة ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النُّصح، وإذا قلَّدوا الأمرَ غير(8) أهل الدِّين فقد ضيَّعوا الأمانة(9).
          وفيه: أنَّ السَّاعة لا تقوم حتَّى يُؤتَمن الخائن، وهذا إنَّما يكون إذا غلب الجُهَّال، وضَعُفَ أهلُ الحقِّ عن القيام به ونصرته. وفيه: وجوب تعليم السَّائل لقوله ╕ : «أين السَّائل؟». وفيه: مراجعةُ العالِم عند عدم فَهْم السَّائل(10) لقوله: «كيف إضاعتها؟»، وهو ثُمَانيُّ(11) الإسناد، ورجاله كلُّهم مدنيُّون، مع التَّحديث بالإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المصنِّف أيضًا في «الرِّقاق»(12) [خ¦6496] مُختصَرًا، وهو ممَّا انفرد به عن بقيَّة الكتب السِّتَّة.


[1] «أبي»: سقط من (ص).
[2] «أنَّهم»: سقط من (م).
[3] في (م): «ممَّا».
[4] «ابن عساكر وأبي ذرٍّ»: سقط من (ص).
[5] «فحتَّى إذا»: سقط من (ص).
[6] في (م): «كان».
[7] في (ب) و(س): «المتقدم».
[8] في (ب) و(س): «لغير».
[9] في (ب) و(س): «الأمانات».
[10] في (ص): «المسائل».
[11] هكذا قال ☼ ، والصواب أنهما إسنادان سداسيان.
[12] في (ص): «الزَّكاة»، وهو خطأٌ.