إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: احتبس جبريل على النبي فقالت

          1125- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) بالمثلَّثة (قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) البجليِّ ( ☺ قَالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صلعم عَلَى) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”عن“ (النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ) هي أمُّ جميلٍ بنت حربٍ أخت أبي سفيان، امرأة أبي لهب حمالةُ الحطب كما رواه الحاكم: (أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ) برفع النُّون(1) فاعلُ «أبطأ» (فَنَزَلَتْ) سورة ({ وَالضُّحَى }) صدر النَّهار، أو النَّهار كلّه ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}) أقبل بظلامه ({مَا وَدَّعَكَ}) جواب القَسَم، أي: ما قَطَعك ({ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }[الضحى:1-3]) أي: ما قَلاكَ، أي: ما أبغضك. وهذا الحديث قد رواه شعبة عن الأسود بلفظٍ آخر، أخرجه المصنِّف في «التَّفسير» [خ¦4951] قال: «قالت امرأةٌ: يا رسول الله؛ ما أُرى صاحبك إلَّا أبطأ عنك»، قال في «الفتح»: وهذه المرأة فيما يظهر لي غير المرأة المذكورة في حديث سفيان؛ لأنَّ هذه عبَّرت بقولها: صاحبَك، وتلك عبَّرت بقولها(2): شيطانُك، وهذه عبَّرت بقولها: يا رسول الله، وتلك عبَّرت بقولها: يا محمَّد، وسياق هذا يُشعر بأنَّها قالته توجُّعًا وتأسُّفًا، وتلك قالته شماتةً وتهكُّمًا، وفي «تفسير بقيِّ بن مَخْلَد» قال: قالت خديجة للنَّبيِّ صلعم حين أبطأ عليه(3) الوحي: «إنَّ ربَّك قد قَلاك»، فنزلت: {وَالضُّحَى} وأخرجه إسماعيل القاضي في «أحكامه»، والطَّبريُّ في «تفسيره»، وأبو داود في «أعلام النُّبوَّة» بإسنادٍ قويٍّ وتُعقِّب بالإنكار؛ لأنَّ خديجة قويَّة الإيمان، لا يليق(4) نسبة هذا القول إليها، وأجيب بأنَّه ليس فيه ما يُنكَر؛ لأنَّ المستنكر قولُ المرأة: شيطانك، وليست عند أحدٍ منهم، وفي رواية إسماعيل القاضي وغيره: «ما أرى صاحبك» بدل «ربِّك»، والظَّاهر أنَّها عنت بذلك: جبريل ◙ ، فإن قلت: ما موضع التَّرجمة من الحديث؟ أجيب بأنَّه من حيث كونه تتمَّةَ الحديث السَّابق، وذلك أنَّه أراد أن ينبِّه على أنَّ‼ الحديث واحدٌ؛ لِاتِّحاد مَخرجه وإن كان السَّبب مختلفًا، وعند ابن أبي حاتم عن جندب: «رُمي رسول الله صلعم بحجر في إصبَعه فقال:
هل أنت إلَّا إصبَعٌ دَمِيتِ
وفي سبيل الله ما لقيتِ
قال: فمكث ليلتين أو ثلاثًا لم يقُم، فقالت له امرأةٌ: ما أرى شيطانك إلَّا قد تركك، فنزلت { وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }(5)[الضحى:1-3]».


[1] في (ص): «الشيطان».
[2] قوله: «صاحبَك، وتلك عبَّرت بقولها»، سقط من (م).
[3] في غير (ب) و(س): «عنه».
[4] في (د): «يجوز».
[5] قوله: «وعند ابن أبي حاتم عن جندب:... وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى»، سقط من (م).