إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر

          49- وبه قال: (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) السَّابق، وفي رواية الأَصيليِّ بإسقاط: ”ابن سعيدٍ“ وفي رواية أبي الوقت: ”هو ابن سعيدٍ“ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) الأنصاريُّ المدنيُّ (عَنْ حُمَيْدٍ) بضمِّ الحاء، ابن أبي حُمَيْدٍ تِيْر؛ بكسر المُثنَّاة الفوقيَّة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة آخره راءٌ، أي: السَّهميِّ الخزاعيِّ البصريِّ، المُتوفَّى سنة ثلاثٍ وأربعين ومئةٍ (عَنْ أَنَسٍ) وزاد الأَصيليُّ(1): ”ابن مالكٍ“ وفي رواية الأَصيليِّ وابن عساكر: ”حدَّثنا أنسٌ“ ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”حدَّثني“ بالإفراد(2) ”أنسٌ“ وبذلك يحصل الأمن من تدليس حُمَيْدٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ) ☺ : (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم خَرَجَ) من الحجرة (يُخْبِرُ) استئنافٌ أو حالٌ مُقدَّرةٌ؛ لأنَّ الخبر بعد الخروج على حدِّ {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }[الزمر:73] أي: مقدِّرين الخلود (بِلَيْلَةِ القَدْرِ) أي: بتعيينها (فَتَلَاحَى) بفتح الحاء المهملة، مِنَ التَّلاحِي؛ بكسرها، أي: تنازع (رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ) وهما _فيما قاله ابن دحية_: عبد الله بن أبي حَدْرد؛ بمُهمَلَةٍ مفتوحةٍ ودالين مُهمَلَتين أولاهما ساكنةٌ وبينهما راءٌ، وكعبُ بن مالكٍ، كان له على عبد الله دَيْنٌ فطلبه، فتنازعا، وارتفع صوتهما في المسجد (فَقَالَ) صلعم : (إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ) بنصب الرَّاء بـ «أَنِ» المُقدَّرة بعد لام التَّعليل، و«الضَّمير» مفعول «أخبر» الأوَّل، وقوله: (بِلَيْلَةِ القَدْرِ) سدَّ مسدَّ الثَّاني والثَّالث، أي: أخبركم بأنَّ ليلة القدر هي ليلةُ كذا (وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ) ابن أبي(3) حدرد وكعب / بن مالكٍ في المسجد وشهر رمضان اللَّذين هما محلَّان للذِّكر لا لِلَّغو، مع استلزام ذلك لرفع الصَّوت بحضرة الرَّسول ╕ المنهيِّ عنه (فَرُفِعَتْ) أي: رُفِعَ بيانُها أو علمها من قلبي؛ بمعنى: نسيتها، ويدلُّ له حديث أبي سعيدٍ المرويِّ في «مسلمٍ»: «فجاء رجلان يحتقَّان _بتشديد القاف، أي: يدَّعي كلٌّ منهما أنَّه مُحِقٌّ_ معهما الشَّيطان فنُسِّيتها» (وَعَسَى أَنْ يَكُونَ) رَفْعُها (خَيْرًا لَكُمُ) لتزيدوا في الاجتهاد في طلبها، فتكون زيادةً في ثوابكم، ولو كانت مُعيَّنةً لاقتصرتم عليها فَقَلَّ عملكم، وشَذَّ قومٌ فقالوا برفعها وهو غلطٌ كما بيَّنه قوله: (التَمِسُوهَا) أي: اطلبوها؛ إذ لو كان المُرَاد رفع وجودها لم يأمرهم بالتماسها، وفي رواية أبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”فالتمسوها“ (فِي) ليلة (السَّبْعِ) _بالمُوحَّدة_ والعشرين من رمضان المذكور (وَالتِّسْعِ) والعشرين منه (وَالخَمْسِ) والعشرين منه، كما استُفِيد التَّقدير من رواياتٍ أُخَرَ، وفي روايةٍ: بتقديم التِّسع _بالمُثنَّاة_ على السَّبع _بالمُوحَّدة_ فإن قلت: كيف أمر بطلب ما رُفِعَ علمه؟ أُجِيب: بأنَّ المُرَادَ طلبُ التَّعبُّد في مظانِّها، وربَّما يقع العمل مُضَافًا(4) لها، لا أنَّه أمر بطلب العلم بعينه.
          وفي الحديث: ذمُّ المُلاحَاة والخصومة، وأنَّهما سبب العقوبة للعامَّة بذنب الخاصَّة، والحثُّ على طلب ليلة القدر، ورواتُهُ ما بين بَلخِيٍّ وبَصرِيٍّ ومدنِيٍّ، ورواية صحابيٍّ عن صحابيٍّ، والتَّحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في «الصَّوم» [خ¦2023] وفي «الأدب» [خ¦6049]، وكذا النَّسائيُّ.


[1] في (م): «وللأصيليِّ».
[2] قوله: «ولأبوي ذَرٍّ والوقت: حدَّثني بالإفراد» جاء في (م) بعد قوله: «أخبرنا قتيبة»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[3] «أبي»: سقط من (م).
[4] في (م): «مصادفًا».