إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله نودي

          1051- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دكينٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بفتح المعجمة والموحَّدة بينهما مثنَّاةٌ تحتيَّةٌ ساكنةٌ / آخره نونٌ، ابن عبد الرَّحمن التَّميميُّ البصريُّ، سكن الكوفة (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ اليماميِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) هو ابن العاص، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”عُمَر“ بضمِّ العين، أي: ابن الخطَّاب، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو وهمٌ (أَنَّهُ(1) قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ) بالكاف المفتوحة (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: زمنه (نُودِيَ) بضمِّ النُّون مبنيًّا للمفعول: (إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ) بالرَّفع خبرُ «إنَّ»، و«الصَّلاةَ»: اسمها، ولأبي الوقت: ”أَنِ الصَّلاةُ“ بفتح الهمزة وتخفيف النُّون، ورفع «الصَّلاةُ وجامعةٌ»‼ وقد مرَّ مزيدٌ لذلك قريبًا (فَرَكَعَ النَّبِيُّ صلعم رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ) أي: في ركعةٍ، وقد يُعبَّر بالسُّجود عن الرَّكعة(2) مِن باب إطلاق الجزء على الكلِّ (ثُمَّ قَامَ) من السُّجود (فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ) أي: في ركعةٍ كذلك (ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ) بضمِّ الجيم وتشديد اللَّام المكسورة مبنيًّا للمفعول من التَّجلية، أي: كُشِفَ عنها بين جلوسه في التَّشهُّد والسَّلام، ولأبي ذَرٍّ في نسخةٍ: ”ثمَّ جلس حتَّى جُلِّيَ“ أي: إلى أن جُلِّيَ عنها (قَالَ) أبو سلمة، أو عبد الله بن عمرو(3): (وَقَالَتْ عَائِشَةُ ♦ : مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا) عبَّرت بالسُّجود عن الصَّلاة كلِّها، كأنَّها قالت: ما صلَّيت صلاةً قطُّ أطول منها، غير أنَّها أعادت الضَّمير المستكنَّ في «كانَ» على السُّجود اعتبارًا بلفظه وهو مذكَّرٌ، وأعادت ضمير «منها» عليه اعتبارًا بمعناه إذ هو مؤنَّثٌ، أو يكون قولها(4): «منها» على حذف مضافٍ، أي: من سجودها، قاله في «المصابيح». ولا يقال: هذا لا يدلُّ على تطويل السُّجود، لاحتمال أن يُراد بالسَّجدة الرَّكعة _كما مرَّ_ لأنَّ الأصل الحقيقة، وإنَّما حملنا لفظ السَّجدة فيما مرَّ أوَّلًا على الرَّكعة للقرينة الصَّارفة عن إرادة الحقيقة إذ لا يُتصوَّر ركعتان في سجدةٍ، وههنا لا ضرورة في الصَّرف عنها، قاله الكِرمانيُّ. واختُلِفَ في استحباب إطالة السُّجود في الكسوف، وصحَّح الرَّافعيُّ عدم إطالته كسائر الصَّلوات، وعليه جمهور أصحاب الشَّافعيِّ، وصحَّح النَّوويُّ التَّطويل، وقال: إنَّه المختار بل الصَّواب، وعليه المحقِّقون من أصحابنا للأحاديث الصَّحيحة الصَّريحة، وقد نصَّ عليه الشَّافعيُّ في مواضع، قال: وعليه فالمختار ما قاله البَغَويُّ: إنَّ السَّجدة الأولى كالرُّكوع الأوَّل، والثَّانية كالثَّاني، وهو مشهور مذهب المالكيَّة.


[1] زيد في (ص): «قال».
[2] في (د) و(ص) و(م): «الرُّكوع».
[3] في (د): «بن عمر»، وهو تحريفٌ.
[4] في (م): «قوله». والمثبت موافق لمصابيح الجامع.