إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟

          ░5▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (هَلْ يَقُولُ) القائل: (كَسَفَتِ الشَّمْسُ) بالكاف (أَوْ) يقول: (خَسَفَتْ) بالخاء المعجمة؟ زاد ابن عساكر فقال: ”أو خسفت الشمس“ قيل: أورده ردًّا على المانع من إطلاقه بالكاف على الشَّمس، رواه سعيدُ بن منصورٍ بإسنادٍ صحيحٍ موقوفٍ عن عروة من طريق الزُّهريِّ بلفظ: «لا تقولوا: كسفت الشَّمس، ولكن قولوا: خسفت»، والأصحُّ أنَّ الكسوف والخسوف المضافين للشَّمس والقمر بمعنًى، يُقال: كَسَفت الشَّمس والقمر وخَسَفا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل، وكُسِفا وخُسِفا بضمِّهما مبنيًّا للمفعول، وانكسفا وانخسفا بصيغة: انفعل، ومعنى المادَّتين واحدٌ، أو يختصُّ ما بالكاف بالشَّمس، وما بالخاء بالقمر، وهو المشهور على ألسنة الفقهاء، واختاره ثعلب، وادَّعى الجوهريُّ أفصحيَّته، ونَقل عيَاضٌ عكسه، وعُورضَ بقوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ}[القيامة:8] ويدلُّ / للقول الأوَّل إطلاق اللَّفظين في المحلِّ الواحد في الأحاديث، قال الحافظ عبد العظيم المنذريُّ _ومِن قَبْله القاضي أبو بكر ابن العربيِّ_: حديث الكسوف رواه عن النَّبيِّ صلعم سبعة عشر نفسًا، رواه جماعةٌ منهم بالكاف، وجماعةٌ بالخاء، وجماعة باللَّفظين جميعًا. انتهى. ولا ريب أن مدلول الكسوف لغةً غير مدلول الخسوف لأنَّ الكسوف بالكاف: التَّغيُّر إلى سوادٍ، والخسوف بالخاء: النَّقص والذُّلُّ _كما مرَّ_ في أوَّل «كتاب الكسوف» [خ¦1040] فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت لأنَّها تتغيَّر ويلحقها النَّقص ساغ ذلك، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أنَّ الكسوف والخسوف مترادفان (وَقَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة القيامة: ({ وَخَسَفَ الْقَمَرُ }‼[القيامة:8]) في إيراده لها إشعارٌ باختصاص القمر بـ { وَخَسَفَ } الَّذي بالخاء، واختصاصها بالَّذي بالكاف كما اشتُهِرَ عند الفقهاء، أو أنَّه يجوز الخاء في الشَّمس والقمر(1) لاشتراكهما في التَّغيُّر الحاصل لكلٍّ منهما.


[1] في (د): «في الشَّمس كالقمر».