إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر

          951- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هو ابن منهالٍ‼، السَّلميُّ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (زُبَيْدٌ) بضمِّ الزَّاي وفتح المُوحَّدة، ابن الحارث اليامِيُّ الكوفيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ) بفتح الشِّين المعجمة وسكون العين المهملة، عامر بن شراحيل (عَنِ البَرَاءِ) بن عازبٍ ☺ (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ) حال كونه (يَخْطُبُ فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ به مِنْ) ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي و(1) المُستملي ”في“ (يَوْمِنَا هَذَا) يوم عيد(2) النَّحر (أَنْ نُصَلِّيَ) صلاة العيد، أي: أوَّل ما يكون الابتداء به في هذا اليوم الصَّلاة الَّتي بدأنا بها، فعبَّر بالمستقبل عن الماضي. وفي رواية محمَّد بن طلحة عن زُبَيْدٍ، الآتية _إن شاء الله تعالى_ في هذا الحديث بعينه(3) [خ¦976]: خرج ╕ يوم أضحًى إلى البقيع، فصلَّى ركعتين، ثمَّ أقبل علينا بوجهه الشَّريف وقال: «إنَّ أوَّل نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصَّلاة، ثمَّ نرجع فننحر»(4)، وأوَّل عيدٍ صلَّاه النَّبيُّ صلعم عيد الفطر، في(5) السَّنة الثَّانية من الهجرة.
          وقد اختُلِف في حكم صلاة العيد بعد إجماع الأمَّة على مشروعيَّتها، فقال أبو حنيفة ☼ : واجبةٌ على الأعيان، وقال المالكيَّة والشَّافعيَّة: سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وقال أحمد وجماعةٌ: فرضٌ على الكفاية، واستدلَّ الأوَّلون بمُواظَبته ╕ عليها من غير تركٍ، واستدلَّ المالكيَّة والشَّافعيَّة بحديث الأعرابيِّ في «الصَّحيحين» [خ¦46]: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلَّا أن تَطَوَّع»، وحديث: «خمس صلواتٍ كتبهنَّ الله في اليوم واللَّيلة» [خ¦46] وحملوا ما نقله المزنيُّ عن الشَّافعيِّ: أنَّ(6) من وجب عليه الجمعة وجب عليه حضور العيدين، على التَّأكيد، فلا إثم ولا قتال بتركها(7)، واستدلَّ الحنابلة بقوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2] وهو يدلُّ على الوجوب، وحديث الأعرابيِّ يدلُّ على أنَّها لا تجب على كلِّ واحدٍ(8)، فتعيَّن أن يكون(9) فرضًا على الكفاية، وأُجيب بأنَّا لا نسلِّم أنَّ المراد بقوله: { فَصَلِّ } صلاة العيد، سلّمنا ذلك، لكنَّ ظاهره يقتضي وجوب النَّحر، وأنتم لا تقولون به، سلَّمنا أنَّ المراد من النَّحر ما هو أعمُّ، لكنَّ وجوبَه خاصٌّ به، فيختصُّ وجوب(10) صلاة العيد به، سلَّمنا الكلَّ، وهو أنَّ الأمر الأوَّل غير خاصٍّ به، والأمر الثَّاني خاصٌّ، لكن لا نسلِّم أنَّ الأمر للوجوب، فنحمله على النَّدب جمعًا بينه وبين الأحاديث الأخر، سلَّمنا جميع ذلك، لكنَّ صيغة: { فَصَلِّ } خاصَّةٌ به، فإن حُمِلَت عليه وعلى أمَّته وجب إدخال الجميع، فلمَّا دلَّ الدَّليل على إخراج بعضهم _ كما زعمتم(11)_ كان ذلك قادحًا في القياس، قاله البساطيُّ. (ثُمَّ نَرْجِعَ) بالنَّصب عطفًا على: «نصلِّيَ»، وبالرَّفع خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: نحن نرجع (فَنَنْحَرَ) بالنَّصب (فَمَنْ فَعَلَ) بأن ابتدأ بالصَّلاة، ثمَّ رجع، فنحر (فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا) قال الزَّين بن المُنَيِّر: فيه إشعارٌ بأنَّ الصَّلاة(12) ذلك اليوم هي الأمر المهمُّ، وأنَّ ما سواها من الخطبة والنَّحر وغير ذلك من أعمال البرِّ يوم العيد‼ فبطريق التَّبع، وهذا القدر مشتركٌ بين العيدين، وبذلك تحصل المناسبة بين الحديث والتَّرجمة من حيث إنَّه قال فيها: العيدين، بالتَّثنية، مع أنَّه لا يتعلَّق إلَّا بعيد النَّحر.
          ورواة الحديث: الأوَّل بصريٌّ، والثَّاني واسطيٌّ، والثَّالث والرَّابع كوفيَّان، وأخرجه المؤلِّف في «العيدين» [خ¦965] أيضًا، وفي «الأضاحي» [خ¦5545] و«الأيمان والنُّذور» [خ¦6673]، ومسلمٌ في «الذَّبائح»، وأبو داود في «الأضاحي»، وكذا التِّرمذيُّ، وأخرجه النَّسائيُّ في «الصَّلاة» و«الأضاحي».


[1] «الحَمُّويي و»: ليس في (د).
[2] «عيد»: ليس في (ص).
[3] في (د): «بقيَّته».
[4] قوله: «وفي رواية محمَّد بن طلحة عن زُبَيْدٍ... هذا أن نبدأ بالصَّلاة، ثمَّ نرجع فننحر» ليس في (م).
[5] في (د): «من».
[6] في (د): «أنَّه».
[7] في (د): «على تركها».
[8] في (ب) و(س): «أحد».
[9] في (ب) و(س): «تكون».
[10] «وجوب»: ليس في (م).
[11] في (م): «زعم».
[12] في غير (م): «صلاة».