إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا

          37- وبالسَّند إلى البخاريِّ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أُويسٍ الأصبحيُّ المدنيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) يعني: ابن أنسٍ إمام الأئمَّة، وهو خاله (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوفٍ أحد العشرة المُبشَّرين بالجنَّة، أبو إبراهيمَ القرشيُّ المدنيُّ الزُّهريُّ، الثِّقة وهو من الثَّانية، وأمُّه أمُّ كلثومٍ بنت عقبةَ أخت عثمان بن عفَّان لأمِّه، المُتوفَّى بالمدينة سنة خمسٍ وتسعين، قال العينيُّ: وقِيلَ: سنة خمسٍ ومئةٍ، قال الحافظ ابن حجرٍ في «التَّقريب»: بل هو الصَّحيح (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: مَنْ قَامَ) بالطَّاعة صلاة التراويح أو غيرها من الطَّاعات في ليالي (رَمَضَانَ) حال كون قيامه (إِيمَانًا) أي: مؤمنًا بالله مصدِّقًا به (وَ) حال كونه (احْتِسَابًا) أي: مُحتَسِبًا؛ والمعنى: مصدِّقًا ومريدًا به وجه الله تعالى بخلوص نيَّته (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) من / الصَّغائر، وفي فضل الله وَسَعَةِ كرمه ما يُؤذِن بغفران الكبائر أيضًا، وهو ظاهر السِّياق، لكنَّهم أجمعوا على التَّخصيص بالصَّغائر، كنظائره من إطلاق الغفران في أحاديث؛ لِمَا وقع من التَّقييد في بعضها بما اجتُنِبت الكبائر، وهي لا تَسْقط إلَّا بالتَّوبة أو الحدِّ، وأُجِيب عن استشكال مجيء الغفران في قيام رمضان وفي صومه، وليلة القدر، وكفَّارة صوم يوم عرفة سنتين، وعاشوراء سنةً، وما بين الرَّمضانين إلى غير ذلك ممَّا ورد به الحديث، فإنَّها إذا كُفِّرت بواحدٍ فما الذي يُكفِّره الآخر؟ بأنَّ كلًّا يُكفِّر الصَّغائر، فإذا لم توجد بأنْ كفَّرها واحدٌ ممَّا ذُكِرَ، أو غُفِرت بالتَّوبة، أو لم تُفعل للتَّوفيق المُنعَم به رُفِعَ له بعمله ذلك درجاتٌ، وكُتِبَ له به حسناتٌ، أو خفِّف عنه بعض الكبائر، كما ذهب إليه بعضهم، وفضلُ الله ╡ واسعٌ(1)، ورواة هذا الحديث كلُّهم أئمَّةٌ أجلَّاءُ مدنيُّون. وفيه: التَّحديث بصيغة الإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف في «الصِّيام» [خ¦1901] أيضًا، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، و«المُوطَّأ»، وغيرهم.


[1] في (م): «أوسع».