إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار

          31- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ) بن عبد الله العَيْشِيُّ؛ بفتح العين المُهمَلَة وسكون المثنَّاة التَّحتيَّة وبالشِّين المُعجَمَة، البصريُّ، المُتوفَّى سنة ثمانٍ أو تسعٍ وعشرين ومئتين قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أي: ابن درهم، أبو إسماعيل الأزرق الأزديُّ البصريُّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وسبعين ومئةٍ قال: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ (وَيُونُسُ) بن عبيد ابن دينارٍ البصريُّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وثلاثين ومئة، كلاهما (عَنِ الحَسَنِ) أبي(1) سعيد بن أبي الحسن الأنصاريِّ البصريِّ، المُتوفَّى سنة ستَّ عَشْرَةَ ومئةٍ (عَنِ الأَحْنَفِ) من الحَنَفِ؛ وهو الاعوجاج في الرِّجل(2)، بالمُهمَلَة والنُّون، أبي بحرٍ الضَّحَّاك (بْنِ قَيْسٍ) أي: ابن معاوية المُخضرَم، المُتوفَّى بالكوفة سنة سبعٍ وستِّين في إمارة ابن الزُّبير أنَّه (قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ) أي: لأجل أن أنصرَ (هَذَا الرَّجُلَ) هو عليُّ بن أبي طالبٍ، كما في «مسلمٍ» من هذا الوجه، وأشار إليه المؤلِّف في «الفتن» [خ¦7083] بلفظ: أريد نصرة ابن عمِّ رسول الله صلعم ... الحديث(3)، وكان ذلك يوم الجمل (فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ) نُفَيعُ _بضمِّ النُّون وفتح الفاء_ ابن الحارث بن كَلَدة؛ بالكاف واللَّام المفتوحتين، المُتوفَّى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، وله في «البخاريِّ» أربعة عَشَرَ حديثًا (فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ) وللأَصيليِّ: ”فقلت“: أريد مكانًا لأنَّ السُّؤال عن المكان، والجواب بالفعل، فيُؤوَّل بذلك(4) (أَنْصُرُ) أي: لكي أنصرَ (هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ) حال كونه (يَقُولُ: إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا) فضرب كلُّ واحدٍ منهما الآخر / (فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) إذا كان القاتل منهما بغير تأويلٍ سائغٍ، أمَّا إذا كانا صحابيَّيَن فأمرهما عن اجتهادٍ وظنٍّ لإصلاح الدِّين، فالمصيب منهما له أجران والمخطئ أجرٌ، وإنَّما حمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كلِّ مُسلِمَين التقيا بسيفيهما حسمًا للمادَّة، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بكرة في ذلك وشهد مع عليٍّ باقي حروبه، ولا يُقال: إنَّ قوله: «فالقاتل والمقتول في النَّار» يشعر(5) بمذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب للعاصي(6)؛ لأنَّ المعنى أنَّهما يستحقَّان، وقد يُعفَى عنهما أو واحدٍ منهما فلا يدخلان النَّار كما قال تعالى: { فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ }[النساء:93] أي: جزاؤه، وليس بلازمٍ أن يُجازَى، قال أبو بكرة: (فَقُلْتُ) وللأربعة وكريمة: ”قلت“: (يَا رَسُولَ اللهِ؛ هَذَا القَاتِلُ) يستحقُّ النَّار لكونه ظالمًا (فَمَا بَالُ المَقْتُولِ) وهو مظلومٌ؟! (قَالَ) صلعم : (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) مفهومه: أنَّ مَنْ عزم على المعصية بقلبه ووطَّن نفسَه عليها أَثِمَ في اعتقاده وعزمه، ولا تَنَافِيَ بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر: «إذا همَّ عبدي بسيِّئةٍ فلم يعملها فلا تكتبوها عليه» [خ¦6491] لأنَّ المراد أنَّه لم يوطِّن نفسه عليها، بل مرَّت بفكره من غير استقرارٍ.
          ورجال إسناد هذا الحديث كلُّهم بصريُّون، وفيه ثلاثةٌ من التَّابعين يروي بعضهم عن بعضٍ؛ وهم: أيُّوبُ والحسنُ والأحنفُ، واشتمل على التَّحديث والعنعنة والسَّماع، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الفتن» [خ¦7083]، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ.


[1] في (م): «ابن»، وهو تحريفٌ.
[2] قوله: «من الحَنَفِ؛ وهو الاعوجاج في الرِّجل» سقط من (م).
[3] «الحديث»: سقط من (س).
[4] قوله: «لأنَّ السُّؤال عن المكان، والجواب بالفعل، فيُؤوَّل بذلك» سقط من (م).
[5] في غير (ب) و(س): «مشعر».
[6] في (ل): «للمعاصي».