إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي

          23- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ) بالتَّصغير، ابن محمَّد بن زيدٍ القرشيُّ الأمويُّ المدنيُّ، مولى عثمان بن عفَّان (قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم ابن عبد الرَّحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة التَّابعيُّ الجليل المدنيُّ(1)، المُتوفَّى ببغداد سنة ثلاثٍ وثمانين ومئةٍ (عَنْ صَالِحٍ) أبي محمَّد بن كيسان الغفاريِّ المدنيِّ التَّابعيِّ، المُتوفَّى بعد أن بلغ من العمر مئة وستِّين سنةً، وابتدأ بالتَّعلُّم وهو ابن تسعين (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) بضمِّ الهمزة، أسعد، المُختلَف في صحبته، ولم يصحَّ له سماعٌ، المذكور في الصَّحابة لشرف الرُّؤية (بْنِ سَهْلٍ) وللأَصيليِّ وأبي الوقت زيادة: ”ابن حُنيفٍ“ بضمِّ المُهمَلَة، المُتوفَّى سنة مئةٍ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ (الخُدْرِيَّ) ☺ حال كونه (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : بَيْنَا) بغير ميمٍ (أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ) مِنَ الرُّؤيا الحُلْميَّة على الأظهر، أو: مِنَ الرُّؤية البصريَّة، فتنصب(2) مفعولًا واحدًا وهو «النَّاس»، وحينئذٍ فيكون قوله: (يُعْرَضُونَ عَلَيَّ) جملة حاليَّة، أو عَلَميَّة؛ مِنَ الرَّأي، وحينئذٍ فتطلب مفعولين؛ وهما: «النَّاس يعرضون عليَّ» أي: يظهرون لي (وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ) _بضمِّ الأَوَّلَين_ جمع قميصٍ، والواو للحال (مِنْهَا) أي: من القُمُص (مَا) أي: الذي (يَبْلُغُ الثُّدِيَّ) بضمِّ المُثلَّثة وكسر المُهملَة وتشديد المُثنَّاة التَّحتيَّة، جمع ثديٍ، يُذكَّر ويُؤنَّث، للمرأة والرَّجل، والحديث يَرِدُ على مَن خصَّه بها، وهو هنا نُصِبَ مفعولَ «يبلغ»، والجارُّ والمجرور خبر المبتدأ الذي هو «الموصول»، وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”الثَّدْي“ بفتح المُثلَّثة وإسكان الدَّال (وَمِنْهَا) أي: من القُمُص (مَا دُونَ ذَلِكَ) أي: لم يصل إلى الثَّدي لقِصَره (وَعُرِضَ عَلَيَّ) بضمِّ العين وكسر الرَّاء مَبنيًّا للمفعول (عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) بالرَّفع نائبٌ عن الفاعل، ☺ (وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) لطوله (قَالُوا) أي: الصَّحابة، ولابن عساكر في نسخةٍ ”قال“ أي: عمر بن الخطَّاب أو غيره، أو السَّائل أبو بكرٍ الصِّدِّيق، كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في «التَّعبير» [خ¦7009] (فَمَا أَوَّلْتَ) فما عبَّرتَ (ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ) صلعم : أوَّلتُ (الدِّينَ) _بالنَّصب_ معمول «أوَّلتُ»، ولا يلزم منه أفضليَّة الفاروق على الصِّدِّيق؛ إذِ القسمة غير حاصرةٍ؛ إذ يجوز رابعٌ، وعلى تقدير الحصر فلم يخصَّ الفاروق بالثَّالث ولم يقصره عليه، ولئن سلَّمنا التَّخصيص به فهو مُعارَضٌ بالأحاديث الكثيرة البالغة درجة التَّواتر المعنويِّ، الدَّالةِ على أفضليَّة الصِّدِّيق، فلا تُعارِضها الآحاد، ولئن / سلَّمنا التَّساويَ بين الدَّليلين، لكن إجماع أهل السُّنَّة والجماعة على أفضليَّته، وهو قطعيٌّ، فلا يعارضه ظنِّيٌّ. وفي هذا الحديث: التَّشبيه البليغ؛ وهو تشبيه الدِّين بالقميص لأنَّه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدِّين يستره من النَّار. وفيه: الدَّلالةُ على التَّفاضل في الإيمان، كما هو مفهوم تأويل القميص بالدِّين، مع ما ذكره من أنَّ اللَّابسين يتفاضلون في لبسه.
          ورجاله كلُّهم مدنيُّون كالسَّابق، ورواية ثلاثةٍ من التَّابعين، أو تابعيَّين وصحابيَّين، وأخرجه المصنِّف أيضًا في «التَّعبير» [خ¦7009] وفي «فضل عمر» [خ¦3691]، ورواه مسلمٌ في «الفضائل»، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.


[1] «المدنيُّ»: سقط من (م).
[2] في (ب) و(س): «فتطلب».