إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عباس في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}

          7525- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ) بفتح العين، و«زُرَارة» بضمِّ الزَّاي وتخفيف الرَّاء، الكلابيُّ النَّيسابوريُّ (عَنْ هُشَيْمٍ) بضمِّ الهاء وفتح الشِّين المعجمة، ابن بشيرٍ(1) قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ) بمُوحَّدةٍ فمعجمةٍ ساكنةٍ، جعفر بن أبي وحشيَّة واسمه إياس (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}) بقراءة صلاتك ({وَلاَ تُخَافِتْ}) لا تخفض صوتك ({بِهَا}[الإسراء:110]) زاد في «الإسراء» [خ¦4722]: «عن أصحابك فلا تُسْمِعهم» (قَالَ) ابن عبَّاسٍ: (نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلعم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ) عن الكفَّار (فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ) واستُشِكل بأنَّه إذا كان مختفيًا عن الكفَّار فكيف يرفع صوته وهو ينافي الاختفاء؟ وأجاب في «الكواكب»: بأنَّه لعلَّه أراد الإتيان بشبه الجهر، أو أنَّه ما كان يبقى له عند الصَّلاة ومناجاة الرَّبِّ اختيارٌ لاستغراقه في ذلك (فَإِذَا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ) جبريل (وَمَنْ جَاءَ بِهِ) صلعم (فَقَالَ اللهُ) ╡ (لِنَبِيِّهِ صلعم : {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ٍ} أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ) فيه حذف مضافٍ كما مرَّ (فَيَسْمَعَُ المُشْرِكُونَ) بنصب «فيسمعَ» في الفرع وأصله(2)، ويجوز الرَّفع (فَيَسُبُّوا القُرْآنَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ) بالرَّفع ({وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ}) الجهر والمخافتة ({سَبِيلاً}[الإسراء:110]) وسطًا، قال الكِرمانيُّ: فأجاد هذه الملَّة الإسلاميَّة الحنيفيَّة البيضاء أصولها وفروعها، كلُّها واقعةٌ في حاقّ الوسط، لا إفراط / ولا تفريط كما في «الإلهيَّات» لا تشبيه ولا تعطيل، وفي «أفعال العباد» لا جبر ولا قدر، بل أمرٌ بين‼ أمرين، وفي «أمر المعاد» لا يكون وعيديًّا ولا مرجيًّا، بل بين الخوف والرَّجاء، وفي «الإمامة» لا رفض ولا خروج، وفي «الإنفاق» لا إسراف ولا تقتير، وفي «الجراحات» لا قصاص واجبًا _كما في التَّوراة_ ولا عفوًا واجبًا _كما في الإنجيل_ بل شرع القصاص والعفو كلاهما، وهلمَّ جرًّا.
          وسبق الحديث قريبًا [خ¦7490] وكذا في «سورة الإسراء» من «التَّفسير» [خ¦4722].


[1] في (ب): «بسيرٍ»، وهو تصحيفٌ.
[2] في (د) و(ع): «كأصله».