إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق حجاج: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك

          7440- (وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ) بكسر الميم، وهو أحد مشايخ المؤلِّف، ولعلَّه سمعه منه في المذاكرة ونحوها: (حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى) بفتح الهاء وتشديد الميم، العَوذِيُّ‼ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دعامة السَّدوسيُّ (عَنْ أَنَسٍ ☺ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا) بضمِّ أوَّله وكسر الهاء، ولأبي ذرٍّ بفتح الياء وضمِّ الهاء، يحزنوا (بِذَلِكَ) الحبس، وقول الزَّركشيِّ: «هذه الإشارة إلى المذكور بعده وهو حديث الشَّفاعة» تعقَّبه في «المصابيح» فقال: هو تكلُّفٌ لا داعي له، والظَّاهر: أنَّ الإشارة راجعةٌ إلى الحبس المذكور بقوله: «يُحبَس المؤمنون حتَّى يهمُّوا» (فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا) لو طلبنا من يشفع لنا (إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا) برفع «فيريحنا» في الفرع، وقال الدَّمامينيُّ: بالنَّصب؛ لوقوعه في جواب التَّمنِّي(1) المدلول عليه بـ «لو» أي: ليت لنا استشفاعًا فإراحةً فيخلِّصنا ممَّا نحن فيه من الحبس والكرب (فَيَأْتُونَ آدَمَ) ◙ (فَيَقُولُونَ) له: (أَنْتَ آدَمُ) من باب قوله:
أنا أبو النَّجم وشِعْري شِعْري
          وهو مبهمٌ فيه معنى الكمال، لا يُعلَم ما يراد منه، ففسَّره بقوله: (أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ) زيادةً في الخصوصيَّة، والله تعالى منزَّهٌ عن الجارحة (وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ) وضع «شيءٍ» موضع أشياء، أي: المسميَّات؛ إرادةً للتَّقصِّي واحدًا فواحدًا حتَّى يستغرق المسميَّات كلَّها (لِتَشْفَعْ) بلام الطَّلب، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ والمُستملي: ”اشفع“ (لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، قَالَ: فَيَقُولُ) لهم: (لَسْتُ هُنَاكُمْ) أي: لست في مقام الشَّفاعة (قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ) والرَّاجع إلى الموصول محذوفٌ، أي: التي أصابها (أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ) بنصب «أكله» بدلًا من «خطيئته» ويجوز أن يكون بيانًا للضَّمير المبهم المحذوف نحو قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[فصلت:12] (وَقَدْ نُهِيَ(2) عَنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ) تعالى (إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ) الموجودين بعد الطُّوفان (فَيَأْتُونَ نُوحًا) فيسألونه (فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ(3) سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يشير إلى قوله / : {رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود:45] (وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ) ◙ (فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”كَذَبَاتٍ“ بفتحاتٍ (كَذَبَهُنَّ) إحداها: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89] والأخرى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء:63] والثَّالثة: قوله لسارة [خ¦2217]: «هي أختي» والحقُّ أنَّها معاريض(4)، لكن لمَّا كانت صورتها صورة(5) الكذب أشفق منها، ومن كان أعرف فهو أخوف (وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا) مناجيًا (قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى) ◙ (فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، قَتْلَهُ النَّفْسَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى) ◙ (عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ‼ وَرُوحَ اللهِ وَكَلِمَتَهُ) التي ألقاها إلى مريم (قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلعم عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ) وإنَّما لم يُلهَموا إتيان نبيِّنا صلعم وسؤاله في الابتداء؛ إظهارًا لشرفه وفضله، فإنَّهم لو سألوه ابتداءً لاحتمل أنَّ غيره يقوم بذلك، ففي ذلك دلالةٌ على تفضيله على جميع المخلوقين _زاده الله تشريفًا وتكريمًا_ قال صلعم : (فَيَأْتُونِي(6)) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ والمُستملي: ”فيأتونني“(7) (فَأَسْتَأْذِنُ) في الدُّخول (عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ) أي: جنَّته التي اتَّخذها لأوليائه، والإضافة للتَّشريف، وقال في «المصابيح»: أي: أستأذن ربِّي في حال كوني في جنَّته، فأضاف الدَّار إليه تشريفًا (فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ) تعالى (وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي) وفي «مُسنَد أحمد»: أنَّ هذه السَّجدة مقدار جمعةٍ من جمع الدُّنيا (فَيَقُولُ) تعالى: (ارْفَعْ مُحَمَّدُ) رأسك (وَقُلْ: يُسْمَعْ) لقولك (وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ) أي: تُقبَل شفاعتك (وَسَلْ تُعْطَ) سؤلك (قَالَ) رسول الله صلعم : (فَأَرْفَعُ رَأْسِي) من السُّجود (فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ) ╡ قَالَ: (ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا) أي: فيعيِّن لي طائفةً معيَّنةً (فَأَخْرُجُ) من داره (فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ) بعد أن أخرجهم من النَّار.
          (قَالَ قَتَادَةُ) بن دعامة بالسَّند السَّابق: (وَ) قد(8) (سَمِعْتُهُ أَيْضًا(9)) أي: أنسًا (يَقُولُ: فَأَخْرُجُ) من داره (فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ) بضمِّ الهمزة فيهما (ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ والمُستملي(10): ”ثمَّ أعود الثَّانية فأستأذن“ (عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ) الجنَّة (فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ) تعالى (وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ) تعالى: (ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ) بهاء السَّكت في هذه دون الأولى، لكن الذي في «اليونينيَّة» بإسقاط الهاء فيهما (قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ) بفتح الهمزة (فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ).
          (قَالَ قَتَادَةُ) بالسَّند: (وَسَمِعْتُهُ) أي: أنسًا، وللكشميهنيِّ: ”أيضًا“ (يَقُولُ: فَأَخْرُجُ) بفتح الهمزة(11) (فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ) بفتح الهمزة (فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ).
          (قَالَ قَتَادَةُ) بالسَّند(12): (وَقَدْ سَمِعْتُهُ) أي: سمعت أنسًا، زاد الكُشْمِيهَنيُّ: ”أيضًا“ (يَقُولُ: فَأَخْرُجُ) بفتح الهمزة (فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ)‼ بنصِّ القرآن وهم الكفَّار (قَالَ: ثُمَّ تَلَا الآيَةَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”هذه الآية“: ({عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}[الإسراء:79] قَالَ: وَهَذَا المَقَامُ المَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ) بضمِّ الواو(13) وكسر العين / (نَبِيُّكُمْ صلعم ).
          وهذا الحديث وقع هنا معلَّقًا، ووصله الإسماعيليُّ من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نُعيمٍ من طريق محمَّد بن أسلم الطُّوسيِّ، قالا: حدَّثنا حجَّاج بن منهالٍ، فذكره بطوله، وساقوا الحديث كلَّه إلَّا أبا ذرٍّ فقال بعد قوله: «حتَّى يُهِمُّوا بذلك»: ”وذكر الحديث بطوله“ وعنده ”يَهُموا“ بفتح التَّحتيَّة وضمِّ الهاء، وساق النَّسفيُّ منه إلى قوله: ”خلقك الله بيده“ ثمَّ قال: ”فذكر الحديث“ وثبت من قوله: ”فيقولون: لو استشفعنا“ إلى آخر قوله: ”المحمود الذي وُعِده نبيُّكم صلعم “ للمستملي والكُشْمِيهَنيِّ.


[1] في (د): «النَّفي»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د): «نهى الله».
[3] «التي أصاب»: سقط من (ع).
[4] في (ع): «تعاريض».
[5] «صورة»: ليس في (د).
[6] في (س): «فيأتون».
[7] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ والمستملي: فيأتونني» سقط من (د).
[8] «قد»: ليس في (د).
[9] قوله: «أيضًا».
[10] «والمستملي»: ليس في (د).
[11] «بفتح الهمزة»: مثبتٌ من (د)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[12] «بالسَّند»: مثبتٌ من (د).
[13] في (د): «أوَّله».