إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع والأرضين

          7414- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسَرْهَدٍ أنَّه (سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَنْصُورٌ) هو ابن المعتمر (وَسُلَيْمَانُ) بن مهران الأعمش، كلاهما (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح العين وكسر الموحَّدة، ابن عمرٍو السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ : (أَنَّ يَهُودِيًّا) لم يعرف اسمه، وفي «مسلمٍ» من رواية فضيل بن عياضٍ: «جاء حَبْرٌ» وزاد في رواية شيبان [خ¦4811] «من الأحبار» (جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ) زاد فضيلٌ: «يوم القيامة»‼ (عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ) زاد في رواية شيبان [خ¦4811]: «الماء والثَّرى» وفي رواية فضيل بن عياضٍ [خ¦4811]: «الجبال والشَّجر على إصبعٍ، والماء والثَّرى على إصبعٍ» (وَالخَلَائِقَ) ممَّن لم يتقدم له ذِكْرٌ (عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ) تعالى: (أَنَا المَلِكُ) وفي رواية [خ¦4811] [خ¦7415] «أنا الملك» بالتِّكرار مرَّتين (فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلعم حَتَّى بَدَتْ) ظهرتْ (نَوَاجِذُهُ) بالجيم والذَّال المعجمة: أنيابه التي تبدو عند الضَّحِك (ثُمَّ قَرَأَ) ╕ : ({وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الزمر:67]) أي: وما عظَّموه حقَّ تعظيمه.
          (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطَّان رواي الحديث عن الثَّوريِّ بالسَّند المذكور: (وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ) أي: ابنِ المُعتَمِر (عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ) السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ : (فَضَحِكَ / رَسُولُ اللهِ صلعم ) حالَ كونِ ضَحِكِه (تَعَجُّبًا) من قول اليهوديِّ (وَتَصْدِيقًا لَهُ) ووصله مسلمٌ عن أحمد ابن يونس عن فضيلٍ، وقد سبق في «تفسير سورة الزمر» [خ¦4811] أنَّ الخطَّابيَّ ذكر الإصبع وقال: إنَّه لم يقع في القرآن ولا في حديثٍ مقطوعٍ به، وقد تقرَّر أنَّ اليد ليست جارحة حتَّى يُتوهَّم من ثبوتها ثبوت الأصابع، بل هو توقيفٌ أطلقه الشَّارع فلا يُكيَّف ولا يشبَّه، ولعلَّ ذكر الأصابع من تخليط اليهود، فإنَّ اليهود مشبِّهةٌ، وقول من قال من الرُّواة: «وتصديقًا له» أي: لليهود ظنٌّ وحسبانٌ، وقد رَوَى هذا الحديث غير واحدٍ من أصحاب عبد الله، فلم يذكروا فيه: «تصديقًا له» ثمَّ قال: ولو صحَّ الخبر حملناه على تأويل قوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:67]. انتهى. وتعقَّبه بعضهم: بورود الأصابع في عدَّة أحاديث، منها: ما أخرجه مسلمٌ: «إنَّ قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرَّحمن» ولكنَّ هذا لا يَرِدُ عليه؛ لأنَّه إنَّما نفى القطع، نعم ذهب الشَّيخ أبو عمرو بن الصَّلاح إلى أنَّ ما اتَّفق عليه الشَّيخان بمنزلة المتواتر، فلا ينبغي التَّجاسر على الطَّعن في ثقات الرُّواة وردّ الأخبار الثَّابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الرَّاوي بالظَّنِّ لَلَزم منه تقريره صلعم على الباطل وسكوته عن الإنكار، وحاشَ لله من ذلك، وقد اشتدَّ إنكار ابن خزيمة على من ادَّعى أنَّ الضَّحك المذكور كان على سبيل الإنكار، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في «صحيحه» في «كتاب التَّوحيد» بطرقه: قد أجلَّ الله تعالى نبيَّه صلعم أن يُوصَفَ ربُّه بحضرتِه بما ليس هو مِن صفاته، فيجعل بدل الإنكار والغضب على الوصف ضحكًا، بل لا يصف النَّبيَّ صلعم بهذا الوصف من يؤمن(1) بنبوَّته. انتهى.


[1] في (ج) و(ع) و(ل): «يوصف».