إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك

          7410- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ) بفتح الفاء وتخفيف الضَّاد المعجمة، أبو زيد البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستُـَوائيُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة (عَنْ أَنَسٍ) ☺ (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: يَجْمَعُ اللهُ) ╡ (المُؤْمِنِينَ) من الأمم الماضية والأمَّة المحمَّديَّة، ولأبوي الوقت وذرٍّ: ”يُجْمَعُ المؤمنون“ بضمِّ التَّحتيَّة، مبنيًّا للمفعول، و«المؤمنون» مفعولٌ ناب عن فاعله (يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ) بالكاف في أوَّله للجميع، قال البرماويُّ والعينيُّ كالكِرمانيِّ: أي: مثل الجمع‼ الذي نحن عليه، وقال في «فتح الباري»: وأظنُّ أنَّ(1) أوَّل هذه الكلمة لامٌ، والإشارة إلى يوم القيامة، أو لِمَا يُذَكَر بَعْدُ، قال: وقد وقع عند مسلمٍ من رواية معاذ بن هشامٍ عن أبيه: «يجمع إليه المؤمنين يوم القيامة فيهتمُّون لذلك» (فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا) أحدًا فيشفع لنا (حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا) أي: من الموقف لنُحَاسَب ونخلص من حرِّ الشَّمس والغمِّ الذي لا طاقة لنا به (فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَمَا تَرَى النَّاسَ) فيما هم فيه من الكرب؟ (خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ) وهذا موضع التَّرجمة (وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ) وضع / «كلِّ(2) شيء» موضع «أشياء» أي: المسمَّيات؛ لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا}[البقرة:31] أي: أسماء المسمَّيات إرادةً للتَّقصِّي واحدًا فواحدًا حتَّى يستغرق المسمَّيات كلَّها (شَفِّعْ) بفتح الشِّين المعجمة وكسر الفاء المشدَّدة، مجزومٌ على الطَّلب، قال في «الكواكب»: من التَّشفيع، وهو قبول الشَّفاعة، وهو لا يناسب المقام إلَّا أن يقال: هو «تفعيلٌ» للتَّكثير والمبالغة، ولأبي الوقت وأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”اشفع“ (لَنَا إِلَى رَبِّنَا(3) حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ) أي: ليست لي هذه المرتبة، بل لغيري (وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابـ)ـها وهي أكله من الشَّجرة (وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ) ╡ بالإنذار (إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ) الموجودين بعد هلاك النَّاس بالطُّوفان، وليست أصل بعثته عامَّةً؛ فإنَّه من خصوصيات نبيِّنا صلعم ، وكانت رسالة آدم لبنيه بمنزلة التَّربية والإرشاد (فَيَأْتُونَ نُوحًا) فيسألونه (فَيَقُولُ) لهم: (لَسْتُ هُنَاكُمْ) بالميم بعد الكاف، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشْمِيهَنيِّ: ”هناك“ بإسقاطها (وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابـ)ـها، وهي سؤاله نجاة ولده من الغرقُ (وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ) فيسألونه (فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ) وللمستملي والكُشْمِيهَنيِّ: ”هناك“ (وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا) وهي قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89] و{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ (4)}[الأنبياء:63] وإنَّها أختي (وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى) فيسألونه (فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ) ولأبي ذرٍّ: ”أصابها“ وهي قتله النَّفس بغير حقٍّ (وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ) نفيٌ لقول النَّصارى: ابن الله (وَكَلِمَتَهُ) لأنَّه وُجِد بأمره(5) تعالى من غير أبٍ (وَرُوحَهُ) المنفوخة في مريم (فَيَأْتُونَ عِيسَى) فيسألونه (فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلعم ) وسقطت «الصَّلاة» لأبي ذرٍّ (عَبْدًا غُفِرَ لَهُ) بضمِّ الغين وكسر الفاء، ولأبوي الوقت وذرٍّ والأَصيليِّ: ”غفر الله له“ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) عن سهوٍ وتأويلٍ (وَمَا تَأَخَّرَ) بالعصمة (فَيَأْتُونِي) ولأبي ذرٍّ(6)‼: ”فيأتونني“ (فَأَنْطَلِقُ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي) أي: في الشَّفاعة للإراحة من هول الموقف (فَيُؤْذَنُ لِي) بالفاء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”ويؤذن لي“ (عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي؛ وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي) أي: يتركني(7) ما شاء أن يتركني (ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ) رأسك (وَقُلْ) ولأبي ذرٍّ: ”قل“ بإسقاط الواو (يُسْمَعْ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون السِّين المهملة وفتح الميم، لك، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”تُسمَع“ بالفوقيَّة بدل التَّحتيَّة (وَسَلْ) بغير همزٍ (تُعْطَهْ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي(8): ”تعط“ بغير هاء (وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ) بضمِّ الفوقيَّة وفتح الفاء مشدَّدة، تُقبَل شفاعتك (فَأَحْمَدُ رَبِّي) تعالى (بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا) زاد أبو ذرٍّ: ”ربِّي“ وفي «تفسير سورة البقرة» [خ¦4476] «يعلمنيها» بلفظ المضارع (ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي) تعالى (حَدًّا) أي: يعيِّن لي قومًا مخصوصين (فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي) تعالى (وَقَعْتُ) له (سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ) رأسك (وَقُلْ يُسْمَعْ) لقولك، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”تُسمَع“ بالفوقيَّة (وَسَلْ تُعْطَهْ) وللمستملي: ”تعط“ بدون هاء (وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا) زاد أبو ذرٍّ(9): ”ربِّي“ (ثُمَّ أَشْفَعُ) فيهم، فيشفِّعني تعالى، ثمَّ أستأذنه تعالى في الشَّفاعة لإخراج قومٍ من النَّار (فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ) له (سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ) رأسك (قُلْ يُسْمَعْ) لك، ولأبي ذرٍّ: ”وقل“ بالواو ”تُسمع“ بالفوقيَّة (وَسَلْ تُعْطَهْ) بالهاء (وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا) ولأبي ذرٍّ: ”علَّمنيها ربِّي“ / (ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ) فيها ممَّن أشرك (وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ) بنحو قوله فيه(10): {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[النساء:169] (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“ (النَّبِيُّ صلعم : يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) مع: محمَّدٌ رسول الله (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ) زيادة على أصل التَّوحيد (مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً) حبَّةً من الحنطة (ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً) بفتح الذَّال المعجمة وتشديد الرَّاء: واحدة الذَّرِّ، وهو النَّمل الصِّغار، أو الهباء الذي يظهر في عين الشَّمس، أو غير ذلك.
          وفي الحديث: الرَّدُّ على المعتزلة في نفيهم الشَّفاعة لأصحاب الكبائر، وبيان أفضليَّة(11) نبيِّنا محمَّدٍ صلعم على جميع الأنبياء، وأمَّا ما نُسِب إلى الأنبياء من الخطايا فمن باب التَّواضع، وأنَّ حسناتِ الأبرار سيِّئاتُ المقرَّبين، وإلَّا فَهُم صلوات الله وسلامه عليهم معصومون مطلقًا.
          وسبق الحديث قي تفسير «سورة البقرة» [خ¦4476].


[1] «أنَّ»: ليس في (د).
[2] «كلِّ»: مثبتٌ من (د).
[3] في (د) و(ع): «ربِّك».
[4] زيد في (د): {هَذَا}.
[5] في (د): «بأمر الله».
[6] زيد في (د): «عن الكشمهينيِّ»، وفي (ع): «والكشمهينيِّ».
[7] في (ب) و(س): «فيتركني».
[8] في (ع): «الحَمُّويي»، وليس بصحيحٍ.
[9] «زاد أبو ذرٍّ»: سقط من (د).
[10] «فيه»: ليس في (د).
[11] في (د) و(ع): «فضيلة».