إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني}

          ░17▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[طه:39] تُغَذَّى) بضمِّ الفوقيَّة وفتح الغين والذَّال المشدَّدة(1) المعجمتين، من التَّغذية، قاله قتادة، وفي نسخة الصَّغانيِّ: بالدَّال المهملة ولا يُفتَح أوَّله على حذف إحدى التَّاءين، فإنَّه تفسير «تُصْنَع» وقال عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم، يعني: أجعله في بيت المَلِك، يَنْعَم ويترف غذاؤه عندهم، وقال أبو عمران الجونيُّ: قال: تُربَّى بعين الله، وقال معمر بن المثنَّى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}: بحيث أرى، وقيل: لتُربَّى بمرأًى منِّي، قال الواحديُّ: قوله: {عَلَى عَيْنِي} بمرأًى منِّي؛ صحيحٌ، ولكن لا يكون في هذا تخصيصٌ لموسى ◙ ، فإنَّ جميع الأشياء(2) بمرأًى منه تعالى، والصَّحيح: لتُغذَّى على محبَّتي وإرادتي، قال: وهذا قول قتادة واختيار أبي عبيدة وابن الأنباريِّ، قال في «فتوح الغيب»: هذا الاختصاص للتَّشريف كاختصاص عيسى بـ «كلمة الله» والكعبة بـ «بيت الله» فإنَّ الكلَّ موجودٌ بـ «كُن» وكلُّ البيوت بيت الله، على أنَّ خلاصة الكلام وزبدته تفيد مزيد الاعتناء بشأنه، وأنَّه من الملحوظين بسوابق إنعامه، وقوله: «تُغذَّى» ثبت في رواية أبي ذرٍّ عن المُستملي، وسقط لفظ «باب» لغير أبي ذرٍّ فاللَّاحق مرفوعٌ استئنافًا.
          (وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ) بالرَّفع والجرِّ(3) عطفًا على سابقه: ({تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر:14]) أي: بمرأًى منَّا أو بحفظنا، أو {بِأَعْيُنِنَا} حالٌ من الضَّمير في {تَجْرِي} أي: محفوظةً بنا، ومن ذلك‼ قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}[هود:37] أي: نحن نراك ونحفظك و{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بالمكان المحفوظ(4) بالكلاءة والحفظ والرِّعاية، يقال: فلانٌ بمرأًى من المَلِك ومسمعٍ، إذا كان بحيث تحوطه عنايته وتكتنفه رعايته، ونحو ذلك ممَّا ورد به الشَّرع، وامتنع حمله على معانيه الحقيقيَّة، وعند الأشعريِّ أنَّها صفاتٌ زائدةٌ، وعند الجمهور _وهو أحد قولي الأشعريِّ_ أنَّها مجازاتٌ، فالمراد بالعين البصر.


[1] «المشدَّدة»: ليس في (د).
[2] في (ع): «الأنبياء».
[3] في (د): «بالجرِّ والرَّفع».
[4] في (ب): «المحوط».