إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب مقلب القلوب

          ░11▒ (بابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) ولغير أبي ذرٍّ بإسقاط «الباب» فما بعده مرفوعٌ، وكذا قوله: وقولُ الله تعالى: ({وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} / [الأنعام:110]) فأمَّا «مقلِّبُ» فخبر مبتدأ محذوفٍ، أي: الله مقلِّب القلوب، وما بعده معطوفٌ عليه، والمعنى أنَّه تعالى مبدِّل الخواطر وناقض العزائم، فإنَّ قلوب العباد بيد قدرته يقلِّبها كيف يشاء، و«الأفئدة» جمع فؤادٍ وهو القلب(1)، وقال الرَّاغب: الفؤاد كالقلب، لكن يقال له: فؤاد؛ إذا اعتبر فيه معنى التَّفاؤد، أي: التوقُّد(2)، يقال: فأدت اللَّحم: شويته، ومنه: لحمٌ فئيدٌ، أي: مشويٌّ، وظاهر هذا أنَّ الفؤاد غير القلب، ويقال فيه: فوادٌ، بالواو بدلًا عن الهمزة، وقُدِّم ذكر تقليب الأفئدة على الأبصار؛ لأنَّ موضع الدَّواعي والصَّوارف هو القلب، فإذا حصلت الدَّاعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى، وإذا حصلت الصَّوارف في القلب انصرف(3) عنه، وهو وإن كان يبصره بحسب الظَّاهر إلَّا أنَّه لا يصير ذلك الإبصار سببًا للوقوف على الفوائد المطلوبة، فلمَّا كان المعدول هو القلب وأمَّا السَّمع والبصر فهما آلتان للقلب، كانا لا محالة تابعين للقلب؛ فلذا وقع الابتداء بذكر تقليب القلوب، ثمَّ أتبعه بذكر البصر.


[1] زيد في (د): «ويطلق على القلب».
[2] في (د): «التفؤُّد».
[3] زيد في (ع): «البصر إليه شاء أم أبى»، ولعلَّه سبق نظرٍ.