إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}

          ░2▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ}) أي: سمُّوا بهذا الاسم أو بهذا(1)، قال البيضاويُّ: المراد التَّسوية(2) بين اللَّفظتين هو أنَّهما يُطلَقان على ذاتٍ واحدةٍ وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتَّوحيد إنَّما هو للذَّات الذي هو المعبود، هذا إذا كان ردًّا لقول المشركين، أي: حين سمعوه صلعم يقول: يا ألله، يا رحمن، فقالوا: إنَّه ينهانا أن نعبد إلهَيْنِ وهو يدعو إلهًا آخر؟! وعلى(3) أن يكون ردًّا لليهود، أي: حيث قالوا لمَّا سمعوه أيضًا يقول: يا ألله يا رحمن: إنَّك لَتُقِلَّ ذكر الرَّحمن‼ وقد أكثر(4) الله تعالى في التَّوراة، فالمعنى: أنَّهما سيَّان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود، وهو أجوب(5) لقوله: ({أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[الإسراء:110]) و«أو» للتَّخيير، والتَّنوين في {أَيًّا} عوضٌ عن المضاف إليه، و{مَّا} صلةٌ لتأكيد ما في «أيٍّ» من الإبهام، والضَّمير في قوله: «له» للمسمَّى؛ لأنَّ التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام: أيًّا ما تدعوا فهو حسنٌ، فوُضِع موضعه {فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} للمبالغة، والدلالة على ما هو الدليل عليه، وكونها حُسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام. انتهى. قال الطِّيبيُّ: إنَّما كان أجوب(6)؛ لأنَّ اعتراض اليهود كان تعييرًا للمسلمين على ترجيح أحد الاسمين على الآخر، واعتراض المشركين كان تعييرًا على الجمع بين اللفظين، فقوله: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} مطابقٌ للردِّ على اليهود؛ لأنَّ المعنى: أيَّ الاسمين دعوتموه فهو به حسنٌ، وهو لا ينطبق على اعتراض المشركين، والجواب: أنَّ(7) هذا مسلَّمٌ إذا كان {أَوِ} للتخيير، فلم يمنع أن تكون للإباحة؛ كما في قوله: جالِس الحسن أو ابن سيرين، فحينئذٍ يكون أجوب، وتقريبه(8): قل: سمُّوا ذاته المقدَّسة بالله أو بالرحمنِ، فهما سيَّان في استصواب / التَّسمية بهما، فبأيِّهما سمَّيته فأنت مصيبٌ، وإن سمَّيته بهما فأنت أصوب؛ لأنَّ له الأسماء الحسنى(9)، وقد أمرنا أن ندعو بها في قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180] فجواب الشرط الأوَّل قوله: فأنت مصيبٌ، ودلَّ على الشَّرط الثَّاني وجوابه قوله: {فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} وحينئذٍ فالآية فنٌّ من فنون الإيجاز الذي هو حِلْية التنزيل، وقوله: {فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} هو من باب الإطناب، فظهر بهذا أنَّ الإباحة أنسب من التخيير؛ لأنَّ أبا جهل حظر الجمع بين الاسمين، فرُدَّ بإباحة أن يجمع بين أسماء، يعني: فكيف يمنع من الجمع بين الاسمين وقد أبيح الجمع بين الأسماء المتكاثرة؟ على أنَّ الجواب بالتخيير في الردِّ على أهل الكتاب غير مطابقٍ؛ لأنَّهم اعترضوا بالترجيح، وأُجيب بالتسوية؛ لأنَّ {أَوِ} تقتضيها، وكان الجواب العتيد(10) أن يقال: إنَّما رجَّحنا «الله» على «الرَّحمن» في الذِّكر؛ لأنَّه جامعٌ لجميع صفات الكمال، بخلاف «الرَّحمن» ويُساعِد ما ذكرنا من أنَّ الكلام مع المشركين قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ}[الإسراء:111] لأنَّه مناسبٌ أن يكون تسجيلًا للردِّ على المشركين.


[1] زيد في (ع): «الاسم».
[2] في غير (ع): «بالتسوية»، والمثبت موافق لما في البيضاوي.
[3] في (د): «أو على»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[4] في (د): «أكثره».
[5] في (د): «أوفق».
[6] في (د): «جوابًا».
[7] «أنَّ»: مثبتٌ من (د).
[8] في (د) و(ع): «بقرينة».
[9] زيد في (د): «فادعوه بها».
[10] «العتيد»: ليس في (د) و(س).