إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا

          7359- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) أبو جعفر ابن الطَّبريِّ(1) المصريُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله المصريُّ قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ) بفتح الرَّاء والموحَّدة المخفَّفة (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ☻ أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ أَكَلَ ثُومًا) بضمِّ المثلَّثة (أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا) جواب الشَّرط، أي: فليعتزِلْ الحضور عندنا والصَّلاةَ معنا (أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا) عامٌّ في جميع المساجد، ويؤيِّده الرِّواية الأخرى: ”مساجدنا“ بلفظ الجمع، فيكون لفظ الإفراد للجنس، أو هو خاصٌّ بمسجده صلعم ؛ لكونه مهبط الملك بالوحي (وَلْيَقْعُدْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيّ: ”أو(2) ليقعد“ (فِي بَيْتِهِ) فلا يحضر المساجد والجماعات، وليصلِّ في بيته، فإنَّ ذلك عذرٌ له عن(3) التَّخلُّف (وَإِنَّهُ) بكسر الهمزة (أُتِيَ) _بضمِّ الهمزة_ ╕ (بِبَدْرٍ) بفتح الموحَّدة الثَّانية وسكون الدَّال المهملة بعدها راءٌ: طَبَقٌ(4) (قَالَ ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله: (يَعْنِي: طَبَقًا فِيهِ) بُقولٌ (خَضِرَاتٌ)‼ بفتح الخاء وكسر الضَّاد المعجَمتين، وسُمِّي الطّبق بَدْرًا؛ لاستدارته كاستدارة القمر، وللأَصيليِّ: ”خُضَرَاتٌ(5)“ بضمِّ الخاء وفتح الضّاد، وهو مبتدأٌ، ومسوِّغهُ تقدُّم(6) الخبر في المجرور، والجملة في محلِّ الصِّفة لـ «بَدْر» وهو مسوَّغٌ ثانٍ(7)، والخضرات: جمع خضرةٍ العشب النَّاعم (مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ) بفتحاتٍ: أصاب (لَهَا رِيحًا) كريهةً كالبصل والثُّوم والفجل (فَسَأَلَ عَنْهَا) بفتح السين، والفاء سببيَّة، أي: بسبب ما وجد من الرِّيح سأل، وفاعل «سأل» ضميرُ النَّبيِّ صلعم (فأُخْبِرَ) بضمِّ الهمزة وكسر الموحَّدة(8) مبنيًّا للمجهول(9)، والمفعول الذي(10) لم يسمَّ فاعلُه ضميرُ النَّبيِّ صلعم ، وهو هنا يتعدَّى إلى الثالث بحرف الجرِّ، وهو قوله: (بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ) و«ما» موصولٌ(11)، والعائد ضمير الاستقرار، وضمير «فيها» يعود على «الخضرات»، أي: أُخبِر بما اختلط فيها، وتكون «في»مجازًا في الظَّرف (فَقَالَ) ╕ : (قَرِّبُوهَا) أي: إلى فلانٍ، ففيه حذفٌ (فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ) صلعم وهذا منقولٌ بالمعنى؛ لأنَّ لفظه ╕ / : قرِّبوها لأبي أيُّوب، فكأنَّ الرَّاويَ لم يحفظه، فكنَّى عنه، وعلى تقدير ألَّا يكون عينه، ففيه التفاتٌ؛ لأنَّ الأصل أن يقول: إلى بعض أصحابي، وقوله: «كان معه» من كلام الرَّاوي (فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا) بفتح الهمزة، وفاعل «رآه» يعود على النَّبيِّ صلعم ، وضمير المفعول على الذي قُرِّب إليه، وضمير «كره» يعود على الرَّجل، وجملة «كره» في محلِّ الحال من مفعول «رأى» لأنَّ الرؤية بصريَّة، وجواب «لمَّا» قوله: (قَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم للرَّجل: (كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي) مِنَ الملائكة.
          (وَقَالَ) وسقط الواو لأبي ذرٍّ (ابْنُ عُفَيْرٍ) بضمِّ العين المهملة وفتح الفاء، وهو سعيد بن كثير بن عفيرٍ شيخ المؤلِّف (عَنِ ابْنِ وَهْبٍ) عبد الله: (بِقِدْرٍ) بكسر القاف وسكون الدَّال المهملة (فِيهِ خَضِرَاتٌ) بفتح الخاء وكسر الضَّاد، وللأَصيليِّ: ”خُضَرَاتٌ“ بضمٍّ ثم فتحٍ بدل من(12) «بِبَدْرٍ» (وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام، فيما وصله الذُّهليُّ في «الزُّهريَّات» (وَأَبُو صَفْوَانَ) عبد الله بن سعيدٍ الأمويُّ، فيما وصله في «الأطعمة» [خ¦5452] في روايتيهما(13) (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد الأيليِّ (قِصَّةَ القِدْرِ، فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ مُدرَجًا (أَوْ) هو مرويٌّ (فِي الحَدِيثِ) وقد بالغ بعضُهم فقال: إنَّ لفظة «القِدْر» بالقاف تصحيفٌ، وسبب ذلك استشكال القِدْر، فإنَّه يُشعِر بأنَّه مطبوخٌ، وقد ورد الإذن بأكلها مطبوخةً، ويمكن الجواب: بأنَّ ما في القِدْر قد يُمات بالطَّبخ حتَّى تذهبَ رائحته الكريهة أصلًا، وقد لا ينتهي به إلى ذلك، فتُحمَل هذه الرِّواية الصَّحيحة على الحالة(14) الثَّانية، بل يجوز أن يكون قد جُعِل في القِدْر على نيَّة أن يُطبَخ، ثم اتَّفق أن أُتيَ به قبل الطَّبخ، لكنَّ أمره بالتَّقريب‼ لبعض أصحابه يُبعِد هذا الاحتمال، ولكن مع هذه الاحتمالات لا يبقى إشكالٌ يُفضي إلى جعله مصحَّفًا أو ضعيفًا.
          والحديث سبق في «الصلاة» في «باب ما جاء في أكل الثوم النّيْءِ» [خ¦855].


[1] في (د) و(س): «الطَّبرانيِّ»، وهو تحريفٌ.
[2] «أو»: سقط من (د).
[3] في (ب): «في».
[4] «طبق»: مثبتٌ من (د) و(ع).
[5] في (ص): «خضراوات»، ولا يصحُّ.
[6] في (د): «تقديم».
[7] قال الشيخ قطة ☼ بهامش البولاقية: قوله: «وهو مسوغ ثان» لا يخفى ما فيه.
[8] في(د): «الباء».
[9] في (د): «للمفعول»، وفي (ج) و(ص): «للفاعل».
[10] في (ع): «للذي».
[11] في (د): «موصولةٌ».
[12] «من»: ليس في (د).
[13] في (ع): «روايتهما».
[14] في (د): «الحال».