إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره

          7355- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ) بالتَّصغير، قال في «الفتح»: هو خُراسانيٌّ فيما ذكره أبو عبد الله بن منده في «رجال البخاريِّ»، وقال محمَّد بن إسماعيل بن محمَّد بن خلفون: حمَّاد بن حُميد العسقلانيُّ روى عن عُبيد الله بن معاذٍ، روى عنه البخاريُّ في «الاعتصام» [خ¦7355] وقال أبو أحمد بن عديٍّ: حمَّاد بن حُميدٍ لا يُعرف عن عُبيد الله بن معاذٍ، وقال ابن أبي حاتمٍ: حمَّاد بن حُميدٍ العسقلانيُّ روى عن ضَمْرة وبشر(1) بن بكر بن سويدٍ وروَّاد، سمع منه أَبِي(2) ببيت المقدس في رحلته الثَّانية وروى عنه، وسُئل أبي عنه فقال: شيخٌ، قال محمَّد بن إسماعيل: روى عنه البخاريُّ في «الجامع» في «باب من رأى ترك النَّكير من النَّبيِّ صلعم حُجَّةً» قال محمَّد بن إسماعيل: لم يَجْرِ لحمَّادٍ ذكرٌ في النُّسخة عن / النَّسفيِّ، إنَّما عنده: ”وقال عُبيد الله بن معاذٍ“ وليس قبله حمَّاد بن حُميدٍ. انتهى. وقال الحافظ ابن حجرٍ: وقد زعم أبو الوليد الباجيُّ في «رجال البخاريِّ» أنَّه هو الذي روى عنه البخاريُّ هنا، وهو بعيدٌ، قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بالتَّصغير (بْنُ مُعَاذٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي)‼ معاذ بن حسَّان بن نصر بن حسَّان العنبريُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بسكون العين، ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ) أنَّه (قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ☺ (يَحْلِفُ) أي: شاهدتُه حين حلف(3) (بِاللهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ) بألفٍ بعد الصَّاد بوزن «الظَّالم» ولأبي ذرٍّ: ”ابن الصيَّاد“ واسمه صافٍ (الدَّجَّالُ) قال ابن المنكدر: (قُلْتُ) له: (تَحْلِفُ بِاللهِ؟ قَالَ) جابرٌ: (إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ (يَحْلِفُ) أي: بالله (عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صلعم ).
          استُشكِل هذا مع ما سبق في «الجنائز» [خ¦1354] من أنَّ عمر ☺ قال للنَّبيِّ صلعم : دَعْني أضرب عنقه فقال: «إن يَكُنْ هو فلن تُسلَّط عليه» إذ هو صريحٌ في أنَّه تردَّد في أمره، وحينئذٍ فلا يدلُّ سكوته على إنكاره عند حلف عمر على أنَّه هو، وقد تقرَّر أنَّ شرط العمل بالتَّقرير ألَّا يعارضه التَّصريح بخلافه، فمن قال أو فعل بحضرته صلعم شيئًا فأقره دلَّ ذلك على الجواز، فلو(4) قال صلعم أو فعل خلاف ذلك دلَّ على نسخ ذلك التقرير إلَّا إن ثبت دليلُ الخصوصيَّة، وعند أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ قال: كان ابن عمر يقول: «والله ما أشكُّ أنَّ المسيح الدَّجَّال هو ابن صيَّاد» وأجاب ابن بطَّالٍ عن التردُّد: بأنَّه كان قبل أن يُعلِمه الله بأنَّه هو الدَّجَّال، فلمَّا أعلمه لم يُنكِر على(5) عمر حلفه، وبأنَّ العرب قد تُخرِج الكلام مَخرَج الشَّكِّ وإن لم يكن في الخبر شكٌّ، فيكون ذلك من تلطُّفه صلعم لعمر في صرفه عن قتله، وقال ابن دقيق العيد في أوائل «شرح الإلمام»: إذا أخبر شخصٌ بحضرة النَّبيِّ صلعم عن أمرٍ ليس فيه حكمٌ شرعيٌ، فهل يكون سكوته صلعم دليلًا على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على أنَّ ابن صيَّادٍ هو الدَّجَّال فلم ينكر عليه؟ فهل يدلُّ عدم إنكاره على أنَّ ابن صيَّاد هو الدجَّال كما فهمه جابرٌ حتَّى صار يحلف عليه ويستند إلى حلف عمر، أو لا يدلُّ؟ فيه نظرٌ، قال: والأقرب عندي أنَّه لا يدلُّ؛ لأنَّ مأخذ المسألة ومناطَها هو العِصْمة من التَّقرير على باطلٍ، وذلك يتوقَّف على تحقُّق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقُّق الصّحَّة إلَّا أن يدَّعيَ مدَّعٍ أنَّه يكفي في وجوب البيان عدم تحقُّق الصّحَّة، فيحتاج إلى دليلٍ وهو عاجزٌ عنه. نعم التقرير يسوِّغ الحلف على ذلك على غلبة الظن؛ لعدم توقُّف ذلك على العلم‼. انتهى. قال في «الفتح»: ولا يلزم من عدم تحقُّق البطلان أن يكون السُّكوت مستويَ الطَّرفين، بل يجوز أن يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأَولى، وقال في «المصابيح»: وقد يقال: هذا محمولٌ على أنَّه لم ينكره إنكارَ من نفى كونه الدجَّال؛ بدليل أنَّه أيضًا لم يسكت على ذلك، بل أشار إلى أنَّه متردِّدٌ، ففي «الصَّحيحين»: أنَّه قال لعمر: «إن يكن هو فلن تُسلَّط عليه» [خ¦1354] فتردَّد في أمره، فلمَّا حلف عمر على ذلك صار حالفًا على غَلَبَة ظنِّه، والبيان قد تقدَّم من النَّبيِّ صلعم ، ثم هذا سكوتٌ عن حلفٍ على أمرٍ غيبٍ لا على حكمٍ شرعيٍّ، ولعلَّ مسألة السَّكوت والتقرير مختصَّةٌ بالأحكام الشرعيَّة، لا الأمور الغيبيَّة. انتهى. وقال البيهقيُّ: ليس في حديث جابرٍ أكثر من سكوت النّبيِّ صلعم على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النَّبيُّ صلعم كان متوقِّفًا في أمره، ثم جاءه التثبُّت من الله أنَّه(6) غيره على ما تقتضيه قصَّة تميمٍ الدَّاريِّ، وبه تمسَّك من جزم(7) بأنَّ الدجَّال غير ابن صيادٍ(8)، وتكون الصِّفة التي في ابن صيَّاد وافقت ما في الدجَّال، والحاصل أنَّه إن وقع الشَّكُّ في أنَّه الدّجَّال الذي يقتله عيسى ابن مريم ♂ فلم يقع الشَّكُّ في أنَّه أحد الدّجَّالين الكذَّابين الذين أنذر بهم النَّبيُّ صلعم في قوله: «إنَّ بين يدي السَّاعة دجَّالين كذَّابين» وقصَّة تميمٍ الدَّاريِّ أخرجها مسلمٌ من حديث فاطمة بنت قيسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلعم خطب فذكر أنَّ تميمًا الداريَّ ركب في سفينةٍ مع ثلاثين رجلًا من قومه، فلعب بهم الموج شهرًا، ثمَّ نزلوا في جزيرةٍ، فلقيتهم دابَّةٌ كثيرة / الشَّعر، فقالت لهم: أنا الجسَّاسة، ودلَّتهم على رجلٍ في الدَّير، قال: فانطلقنا سِراعًا، فدخلنا الدَّير فإذا فيه أعظم إنسانٍ رأيناه قطُّ خَلْقًا وأشدُّه(9) وثاقًا، مجموعةٌ يداه إلى عنقه بالحديد، فقلنا: ويلك! ما(10) أنت؟...» فذكر الحديث، وفيه: أنَّه سألهم عن نبيِّ الأمِّيين هل بُعِث؟ وأنَّه قال: إن يُطيعوه؛ فهو خيرٌ لهم، وأنَّه سألهم عن بُحيرة طبريَّة، وأنَّه قال لهم: إنِّي مُخبِركم عنِّي، أنا المسيح، وإنِّي أوشكُ أن يؤذَن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قريةً إلَّا هبطتها في أربعين ليلةً غير مكَّة وطَيبة، ففيه _كما قال البيهقيُّ_: أنَّ الدّجَّال الأكبر الذي يخرج في آخر الزَّمان غير ابن صيَّادٍ، وعند(11) مسلمٍ من طريق داود بن أبي هندٍ عن أبي نضرة(12) عن أبي سعيدٍ قال: صحبني ابن صيَّادٍ إلى مكَّة، فقال لي: ما قد لقيت من النَّاس؟ يزعمون أنِّي الدّجَّال! ألستَ سمعتَ(13) رسول الله صلعم يقول: «إنَّه لا يولَد له»؟! قلت: بلى، قال: فإنَّه قد وُلِد لي، قال: أوَلستَ سمعتَه يقول: «لا يدخل المدينة ولا مكَّة»؟! قلت: بلى، قال: قد وُلِدت بالمدينة، وها أنا‼ أريد مكَّة. وقال الخطَّابيُّ اختلف السَّلف في أمر ابن صيَّادٍ بعد كِبَره، فروي عنه: أنَّه تاب عن ذلك القول ومات بالمدينة، وأنَّهم لمَّا أرادوا الصَّلاة عليه كشفوا عن(14) وجهه حتَّى يراه(15) النَّاس، وقيل لهم: اشهدوا، لكن يُعكِّر على هذا ما عند أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن جابرٍ قال: «فقدنا ابن صيَّادٍ يوم الحرَّة...»، وبسندٍ حسنٍ قيل: إنَّه مات.
          وفي الحديث: جواز الحلف بما يغلب(16) على الظَّنِّ، والحديث أخرجه مسلمٌ في «الفتن» وأبو داود في «الملاحم».


[1] في (ع): «بسر» وهو تصحيفٌ.
[2] في (ع): «ابنه»، وفي (ص): «أي» وهو تحريفٌ.
[3] في (ع): «ذلك».
[4] في (ص): «فإن».
[5] «على»: سقط من (ب).
[6] في غير (د) و(ع): «بأنَّه».
[7] في (ع): «ابن حزم»، وهو تحريفٌ.
[8] في (د): «الصَّيَّاد»، وكذا في المواضع اللَّاحقة.
[9] في (ب) و(س): «وأشدَّ».
[10] في (ب) و(س): «من».
[11] زيد في (د): «ابن»، ولا يصحُّ.
[12] في (ب) و(ع): «نصرة»، وفي سائر النُّسخ: «بصرة»، والمثبت من كتب التَّراجم.
[13] زيد في (د): «من».
[14] «عن»: ليس في (د).
[15] في (ب) و(س): «رآه».
[16] في (ع): «غلب».