إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه

          7354- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو ابن عبد الله المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (الزُّهْرِيُّ) محمَّد بن مسلمٍ (أَنَّهُ سَمِعَهُ(1) مِنَ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هُرمزٍ (يَقُولُ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) تقولون: إنَّ أبا هريرة (يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَاللهُ المَوْعِدُ) يوم القيامة يُظهِر أنَّكم على الحقِّ في الإنكار، أو أنِّي عليه في الإكثار، والجملة معترضةٌ، ولا بدَّ في التَّركيب من تأويلٍ؛ لأنَّ «مَفعِلًا» للمكان أو الزَّمان أو المصدر، ولا يصحُّ هنا إطلاق شيءٍ منها، فلا بدَّ من إضمارٍ أو تجوُّزٍ يدلُّ عليه المقام، قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ (إِنِّي كُنْتُ امْرأً مِسْكِينًا) من مساكين الصُّفَّة (أَلْزَمُ) بفتح الهمزة والزَّاي واللام بينهما ساكنةٌ (رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي) مقتنعًا بالقوت فلم يكن لي غيبةٌ عنه، يعني: أنَّه كان(2) لا ينقطع عنه خشيةَ أن يفوته القوت (وَكَانَ المُهَاجِرُونَ‼ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ) البيع (بِالأَسْوَاقِ) و«يشْغَلهم» بفتح ياء المضارعة والغين المعجَمة(3) من الثُّلاثيِّ، وعبَّر بالصَّفق عن التَّبايُع؛ لأنَّهم كانوا إذا تبايعوا تصافَقوا بالأكفِّ أمارةً لانبرام(4) البيع، فإذا تصافقت الأكفُّ انتقلت الأملاك واستقرَّت كلُّ يدٍ منهما على ما صار لكلِّ واحدٍ منهما من ملك صاحبه (وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ) في الزِّراعة، زاد في رواية يونس عن ابن شهابٍ عند مسلمٍ: «فأشهدُ إذا غابوا، وأحفظُ إذا نسوا» (فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ: مَنْ يَبْسُطْ) بلفظ المضارع مجزومًا، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”مَن بَسَطَ“ بلفظ الماضي / (رِدَاءَهُ) وفي «المزارعة» [خ¦2047] «ثوبه» (حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي) زاد في «المزارعة» «هذه» (ثُمَّ يَقْبِضُهُ) بالرَّفع، وفي «اليونينيَّة» بالجزم، وفي «المزارعة» «ثمَّ يجمعه» (فَلَنْ يَنْسَ) بغير تحتيَّةٍ بعد السِّين مصلَّحةً في الفرع على كشطٍ، قال السَّفاقسيُّ: إنَّه وقع كذلك بالنُّون وبالجزم في الرِّواية، وذكر أنَّ القزَّاز نقل عن بعض العرب من يجزم بـ «لن». انتهى. وفي بعض(5) النُّسخ المعتمدة: ”فلن ينسى“ بإثباتها خطًّا، وهو الذي في «اليونينيَّة»، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فلم“ بحرف الجزم بدل حرف النصب ”يَنْسَ“ (شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي) قال أبو هريرة: (فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ) بتشديد الياء (فَوَ) الله (الَّذِي بَعَثَهُ) إلى الخلق (بِالحَقِّ؛ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ) بعد أن جمعتها إلى صدري.
          ومباحث الحديث سبقت غير مرَّةٍ [خ¦1180] [خ¦2047] [خ¦2350] ومطابقتُه للتَّرجمة من جهة كون أبي هريرة أخبر عن النَّبيِّ صلعم من أقواله وأفعاله ما غاب عنه كثيرٌ من الصَّحابة، ولمَّا بلَّغهم ما سمعه قَبِلوه وعَمِلوا به، فدلَّ على قَبول خبر الواحد والعمل به، وفيه ردٌّ على مشترط(6) التَّواتر، وإنَّه كان يعزب على المتقدِّم في الصُّحبة الشَّريفة الواسع العلم ما يعلمه غيره ممَّا سمعه منه صلعم أو اطَّلع عليه، فمن ذلك حديث أبي بكرٍ الصِّدِّيق مع جلالة قدره، حيث لم يعلم النَّصَّ في الجدَّة حتَّى أخبره محمَّد بن مسلمة والمغيرة بالنَّصِّ فيها، وهو في «الموطَّأ» وحديث عمر في الاستئذان المذكور في هذا الباب... [خ¦7353] إلى غير ذلك ممَّا في تتبُّعه طولٌ يخرج عن الاختصار، وفي حديث البراء بسندٍ صحيحٍ: «ليس كلُّنا كان يسمع الحديث من النَّبيِّ صلعم ، كانت لنا ضيعةٌ وأشغالٌ، ولكن كان النَّاس لا يكذبون، فيحدِّث الشَّاهدُ الغائبَ»، والله الموفِّق والمعين.


[1] في (ب) و(س): «سمع».
[2] في (د): «يعني: فكان».
[3] في (د): «المعجمتين»، ولا يصحُّ.
[4] في (د): «لانتزاع»، ولعلَّه تحريفٌ.
[5] في (د): «غيره من».
[6] في غير(د) و(ع): «مشترطي».