إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرًا مثل وحرة فلا أراه

          7304- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ العسقلانيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا محمَّد بن عبد الرَّحمن“ أي: ابن المغيرة بن الحارث(1) بن أبي ذئبٍ، واسمه هشام بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ) محمَّد بن مسلم بن شهابٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون الهاء والعين (السَّاعِدِيِّ) ☺ أنَّه (قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ العَجْلَانِيُّ) بفتح العين وسكون الجيم، وسقط «العجلانيُّ» لغير أبي ذرٍّ (إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ) له: يا عاصم (أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أي: أَخبِرْني عن حكم رجلٍ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) أجنبيًّا منها (فَيَقْتُلُهُ، أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ) قصاصًا؟ زاد في طريقٍ آخر: «أم كيف يفعل؟» [خ¦4746] أي: أيَّ شيءٍ يفعل؟ و«أم» تحتمل أن تكون متَّصلةً؛ يعني(2): إذا رأى الرَّجل هذا المنكر والأمر الفظيع، وثارت عليه الحميَّة، أيقتله فتقتلونه؟ أم يصبر على ذلك الشَّنار(3) والعار؟ وأن تكون منقطعةً، فسأل أوَّلًا عن القتل مع القصاص، ثمَّ أضرب عنه إلى سؤالٍ (4)؛ لأنَّ «أم» المنقطعة متضمِّنةٌ لـ «بل» والهمزة، فـ «بل» تضرب(5) الكلام السَّابق، والهمزة تستأنف كلامًا آخر(6)، والمعنى كيف يفعلُ؟ أيصبر على العار، أو يُحدث(7) له أمرًا آخر؟ (سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللهِ صلعم ) عن ذلك (فَسَأَلَهُ) عاصمٌ (فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلعم المَسَائِلَ) المذكورة، لما فيها من البشاعة (وَعَابَ) على سائلها، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”وعابها“ (فَرَجَعَ عَاصِمٌ) إلى أهله، وجاءه عويمرٌ (فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَرِهَ المَسَائِلَ، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لآتِيَنَّ النَّبِيَّ صلعم ) وأسأله عن ذلك (فَجَاءَ) إليه(8) صلعم (وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى القُرْآنَ) وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}... الآية(9) (خَلْفَ عَاصِمٍ)‼ بفتح الخاء المعجمة وسكون اللَّام، أي: بعد رجوعه (فَقَالَ) صلعم (له: قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ) وفي «اللِّعان» [خ¦5308] «قد أُنزل(10) فيك وفي صاحبتك» أي: زوجته خولة (قُرْآنًا، فَدَعَا بِهِمَا) ولأبي ذرٍّ: ”فدعاهما“ (فَتَقَدَّمَا فَتَلَاعَنَا، ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَفَارَقَهَا) وفي «اللِّعان» [خ¦5308]: فطلَّقها (وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلعم بِفِرَاقِهَا) لأنَّ نفس اللِّعان يوجب المفارقة، وهو مذهب مالكٍ والشَّافعيِّ، وقال أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة إلَّا بقضاء القاضي بها بعد التَّلاعن (فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي المُتَلَاعِنَيْنِ) _بفتح النُّون الأولى بلفظ التَّثنية_ أن يفترقا فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا، قال سهل بن سعدٍ ☺ : (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : انْظُرُوهَا) أي: المرأة الملاعنة(11) (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ) بالولد الذي هي حاملٌ به (أَحْمَرَ) اللَّون (قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ) بفتح الواو والحاء المهملة والرَّاء: دويبَّةٌ فوق العدسة، وقيل: حمراءُ تلزق بالأرض كالوزغة، تقع في الطَّعام فتُفسِده (فَلَا أُرَاهُ) بضمِّ الهمزة، فلا أظنُّه(12)؛ أي: عويمرًا (إِلَّا قَدْ كَذَبَ) عليها (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ) بفتح الهمزة وسكون السِّين وفتح الحاء المهملتين، أسود (أَعْيَنَ) بفتح الهمزة والتَّحتيَّة بينهما عينٌ مهملةٌ ساكنةٌ، واسع العين (ذَا أَلْيَتَيْنِ) بتحتيَّةٍ ثمَّ فوقيَّة، كبيرتين، والاستعمال أليين بحذف الفوقيَّة (فَلَا أَحْسِبُ إِلَّا) أنَّه (قَدْ / صَدَقَ) أي: عويمر (عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ المَكْرُوهِ) وهو كونه أسحَمَ أعْيَنَ؛ لأنَّه متضمِّنٌ لثبوت زناها عادةً، والضَّمير في قوله: «فإن جاءت به» للولد أو الحمل؛ لدلالة السِّياق عليه؛ كقوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا}[البقرة:18] أي: الميِّتُ.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: فكره النَّبيُّ صلعم المسائل وعابها؛ لأنَّه أفحَشَ في السُّؤال فلذا كره ذلك، والحديث سبق في «اللِّعان» [خ¦5308].


[1] «أي: ابن المغيرة بن الحارث»: مثبت من (ب) و(س).
[2] في (ع): «بمعنى».
[3] في (د) و(ص): «الشَّأن»، وفي (ع): «الشنآن»، ولعلَّ المثبت هو الأرجح.
[4] في (ب) و(س): «إلى سؤالٍ آخر».
[5] في (ع): «لضرب».
[6] «الآخر»: ليس في (د).
[7] زيد في (د): لفظ الجلالة.
[8] في (د): «إلى النَّبيِّ».
[9] زيد في (د): «فأرسل».
[10] زيد في (د): اسم الجلالة، وليس في الرواية.
[11] في (د): «المتلاعنة».
[12] في (ص): «فلا أظنُّ».