إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كاد الخيران أن يهلكا

          7302- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ) أبو الحَسَنِ المروزيُّ المجاور بمكَّة قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (وَكِيعٌ) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجرَّاح أبو سفيان الرُّؤاسِيُّ أحدُ الأعلام (عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ) الجُمَحِيِّ المكِّيِّ الحافظ، ولأبي ذرٍّ: ”أخبرنا نافع بن عمر“ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بضمِّ الميم وفتح اللَّام زهير الأحول المكِّيِّ أنَّه (قَالَ: كَادَ) أي: قارب (الخَيِّرَانِ) تثنية «خَيِّر» بفتح المعجمة وتشديد التَّحتيَّة المكسورة، أي: الرَّجلان الكثيران الخير (أَنْ يَهْلِكَا) بكسر اللَّام والنَّصب بحذف نون الرَّفع(1)، وفيه دخول «أن» على خبر «كاد» وهو قليلٌ، ولأبي ذرٍّ: ”أن يهلكان“ بإثبات نون الرَّفع و«أن» قبل، والخيِّران هما: (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) ☻ (لَمَّا) بفتح اللَّام وتشديد الميم (قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ) سنة تسعٍ وسألوه أن يُؤَمِّر عليهم أحدًا (أَشَارَ أَحَدُهُمَا) أي: أحدُ الخيِّرين وهو عمر (بِالأَقْرَعِ) أي: بتأمير الأقرع (بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الحَنْظَلِيِّ أَخِي) بالياء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”أخو“ (بَنِي مُجَاشِعٍ) بالجيم والشِّين المعجمة ابن دارم(2) بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميمٍ، وسقط لغير أبي ذرٍّ «التَّميميِّ» (وَأَشَارَ الآخَرُ) وهو أبو بكرٍ ☺ (بِغَيْرِهِ) بتأمير غير الأقرع، وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التَّميميُّ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ) ☻ : (إِنَّمَا أَرَدْتَ) بتأمير الأقرع (خِلَافِي) أي مخالفة قولي (فَقَالَ عُمَرُ) لأبي بكرٍ: (مَا أَرَدْتُ) بذلك (خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم ) في ذلك (فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ})‼ إذا نطقتم ({فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...} إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمٌ}[الحجرات:2]) أي: إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدِّ الذي يبلغه بصوته، وأن تنقصوا(3) منها بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم، وجهره باهرًا لجهركم، حتَّى تكون مزيَّته عليكم لائحةً، وسابقته لديكم واضحةً، وسقط لغير أبي ذرٍّ قوله «{فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}».
          (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“ (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) زهيرٌ بالسَّند السَّابق: (قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ) عبد الله: (فَكَانَ عُمَرُ) ☺ (بَعْدُ) أي: بعد(4) نزول هذه الآية (وَلَمْ يَذْكُرْ) أي: ابن الزبير (ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ) عن جدِّه لأمِّه أسماء (يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ) وفيه أنَّ الجدَّ للأمِّ يُسمَّى أبًا، والجملة اعتراضٌ بين قوله: «بعد» وقوله: (إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صلعم بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ) بكسر السِّين المهملة، كصاحب السِّرار، أي: لا يرفع صوته إذا حدَّثه بل يكلِّمه كلامًا مثل المسارَّة وشبهها لخفض صوته، قال الزَّمخشريُّ: ولو أريد بـ «أخي السِّرار» المسارُّ كان وجهًا، والكاف على هذا في محلِّ نصبٍ على الحال، يعني: لأنَّ التَّقدير حدَّثه مثل الشخص(5) المسارِّ، قال: وعلى الأوَّل صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، يعني: لأنَّ التَّقدير حدَّثه حديثًا مثل المسارَّة (لَمْ يُسْمِعْهُ) بضمِّ أوَّله، أي: لم يُسمع عمر النَّبيَّ صلعم حديثه (حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ) النَّبيُّ صلعم ، قال الزَّمخشريُّ: والضَّمير في «لم يُسمعه» راجعٌ للكاف إذا جُعلت صفةً للمصدر، و«لم يسمعه» منصوب المحلِّ بمنزلة الكاف على الوصفيَّة، وإذا جُعلت حالًا كان الضَّمير لها أيضًا، إلَّا إن قُدِّر مضافٌ، كقولك: يسمع صوته، فحُذِف الصَّوتُ وأُقيم الضَّمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل «لم يسمعه» حالًا من النَّبيِّ صلعم ؛ لأنَّ المعنى يصير ركيكًا، وقال في «فتح الباري»: والمقصود من الحديث قوله تعالى في أوَّل السُّورة: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:1] ومنه تظهر مطابقته لهذه التَّرجمة، وقال العينيُّ: مطابقته للجزء الثَّاني وهو التَّنازع في العلم تؤخذ من قوله: «فارتفعت أصواتهما» وكان تنازعهما في تولية اثنين في الإمارة، كلٌّ منهما يريد تولية خلاف من يريده الآخر، والتَّنازع في العلم الاختلاف.
          والحديث سبق في «سورة الحجرات» [خ¦4845] ووقع التَّنبيه فيها أنَّ سياق الحديث صورته صورة الإرسال، لكن في آخره: أنَّه حمله عن عبد الله بن الزُّبير، والله الموفِّق والمعين.


[1] زيد في (ص): (بـ «أن»).
[2] «ابن دارم»: مثبتٌ من (د) و(س).
[3] في (د): «تفضُّوا».
[4] «بعد»: مثبتٌ من (د) و(س).
[5] «الشَّخص»: مثبتٌ من (د) و(س).