إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد

          7277- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ) العسقلانيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) بفتح العين في الأوَّل وضمِّ الميم وتشديد الرَّاء في الآخر، الجَمَلي بفتح الجيم والميم المخففَّة، قال: (سَمِعْتُ مُرَّةَ) بن شراحيل، ويقال له: مرَّة الطَّيِّب (الهَمْدَانِيَّ) بسكون الميم وفتح الدَّال المهملة، وليس هو والد عمرٍو الرَّاوي عنه (يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ : (إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلعم ) بفتح الهاء وسكون الدَّال المهملة فيهما: السَّمت والطَّريقة والسِّيرة، يقال: هدى هَدْي زيدٍ إذا سار سيرتَه، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”وأحسن الهُدَى هُدَى محمَّدٍ“ بضمِّ الهاء وفتح الدَّال والقصر: الإرشاد، واللَّام في «الهَدْي» للاستغراق؛ لأنَّ أفعل التَّفضيل لا يُضاف إلَّا إلى متعدَّدٍ، وهو داخلٌ فيه، ولأنَّه لو لم يكن للاستغراق، لم يُفِد المعنى المقصود، وهو تفضيل دينه وسُنَّته على سائر الأديان والسُّنن (وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا) بضمِّ الميم وسكون الحاء وفتح الدَّال المخفَّفة المهملتين، جمع «مُحْدَثة» والمراد بها البِدَع والضَّلالات من الأفعال والأقوال، والبدعة كلُّ شيءٍ عُمِلَ على غير مثالٍ سابقٍ، وفي الشَّرع إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلعم ، فإن كان له أصلٌ يدلُّ عليه الشَّرع، فليس ببدعةٍ، قال إمامنا الشَّافعيُّ ☼ : البدعة بدعتان: محمودةٌ ومذمومةٌ، فما وافق السُّنَّة فهو محمودٌ، وما خالفها؛ فهو مذمومٌ، أخرجه أبو نُعيمٍ بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشَّافعيِّ، وعند البيهقيِّ في «مناقب الشَّافعيِّ» أنَّه قال: المُحدَثات ضربان: ما أُحدِث مخالفًا كتابًا أو سنَّةً أو أثرًا أو إجماعًا فهذه بدعة الضَّلالة، وما أُحدِث من الخير لا يخالف شيئًا من ذلك فهذه مُحدَثةٌ غير مذمومةٍ (وَ{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ}) من البعث وأحواله ({لآتٍ}) لكائنٌ لا محالة ({وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}[الأنعام:134]) بفائتين، ردٌّ لقولهم: من مات فات.
          وهذا من قول‼ ابن مسعودٍ، ختم موعظته بشيءٍ من القرآن يناسب الحال، وظاهر سياق هذا الحديث أنَّه موقوفٌ، قال الحافظ ابن حجرٍ: لكنَّ القدر الذي له حكم الرَّفع منه قوله: «وأحسن الهدي هدي محمَّدٍ صلعم » فإنَّ فيه إخبارًا عن صفةٍ من صفاته صلعم ، وهو أحد أقسام المرفوع، وقد جاء الحديث عن ابن مسعودٍ مصرَّحًا فيه بالرَّفع من وجهٍ آخر، أخرجه أصحاب السُّنن، لكنَّه ليس على شرط البخاريِّ، وأخرجه مسلمٌ من حديث جابرٍ مرفوعًا أيضًا بزيادةٍ فيه، وليس هو على شرط البخاريِّ أيضًا، وقد سبق حديث الباب في «كتاب(1) الأدب» [خ¦6098].


[1] «كتاب»: ليس في (د).