إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها

          7275- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) بفتح العين وسكون الميم، و«عبَّاس»(1) _بالموحَّدة_ الباهليُّ البَصريُّ(2) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن مهديٍّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ وَاصِلٍ) هو ابن حيَّان بتشديد التَّحتيَّة (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمة أنَّه (قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ) بفتح الشِّين المعجمة وسكون التَّحتيَّة بعدها موحَّدةٌ، ابن عثمان الحَجَبيِّ (فِي هَذَا المَسْجِدِ) عند باب الكعبة الحرام، أو في الكعبة نفسها (قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ) بتشديد التَّحتيَّة (عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ (فِي مَجْلِسِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَمَمْتُ) أي: قصدت، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”لقد هممت“ (أَلَّا أَدَعَ) أي: لا أترك (فِيهَا) أي: في الكعبة (صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ) ذهبًا ولا فضَّة (إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ) لمصالحهم، قال شيبة: (قُلْتُ) لعمر ☺ : (مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ) ذلك (قَالَ) عمر: (لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ) النَّبيُّ صلعم ولا أبو بكر ☺ (قَالَ) عمر: (هُمَا المَرْآنِ يُقْتَدَى بِهِمَا) بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الدَّال المهملة، ولأبي ذرٍّ: ”نَقتدِي“ بنونٍ مفتوحةٍ بدل التَّحتيَّة وكسر الدَّال، وعند ابن ماجه بسندٍ صحيحٍ عن شقيقٍ قال: «بعث معي رجلٌ بدراهم هديَّةً إلى البيت قال: فدخلتُ البيتَ(3) وشيبة جالسٌ على كرسيٍّ، فناولته إيَّاها، فقال: ألك هذه؟ قلت: لا ولو كانت لي، لم آتكَ بها، قال: أما لئن قلت ذاك، لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه فقال: لا أخرج حتَّى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت: ما أنت بفاعلٍ، قال: لأفعلنَّ، قال: ولمَ؟ قلت: لأنَّ النَّبيَّ صلعم قد رأى مكانه، وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحرِّكاه، فقام كما هو فخرج»، ففيه أنَّ عمر ☺ لمَّا أراد أن يصرف ذلك في مصالح المسلمين، وذكَّره شيبة بأنَّ النَّبيَّ صلعم وأبا بكرٍ لم يتعرَّضا له، لم يَسَعْه خلافهما، ونَزَّلَ تقريرَ النَّبيِّ صلعم بمنزلة(4) حكمه باستمرار ما ترك تغييره، فوجب عليه الاقتداء به لعموم قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ}[الأعراف:158] وعُلِمَ من هذا أنَّه لا يجوز صرف ذلك في فقراء المسلمين، بل يصرفه القيِّم في الجهة المنذورة، وربَّما يُهدَم(5) البيت أو تخلق(6) بعض آلاته فيصرف ذلك فيه، ولو صُرِف في مصالح المسلمين لكان كأنَّه قد(7) أُخرِج عن وجهه الذي سُبّل فيه، وللشَّيخ تقيِّ الدِّين السُّبكيِّ كتاب «نزول السَّكينة على قناديل المدينة» ذكر فيه فوائد جمَّةً أفاض الله تعالى عليه فواضل الرَّحمة.
          ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «هما المرآن يقتدى بهما».


[1] في (د): «العبَّاس والموحَّدة».
[2] في (ص) و(ع): «المصري»، ولعلَّه تحريفٌ.
[3] قوله: «قال: فدخلتُ البيتَ» من سنن ابن ماجه (3116).
[4] في غير (د) و(ع): «منزلة».
[5] في (ب) و(س): «تهدَّم».
[6] في غير (د) و(ع): «خلق».
[7] «قد»: ليس في (د).