إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كلوا أو اطعموا ولكنه ليس من طعامي

          7267- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ) بن عبد الحميد البُسْريُّ القرشيُّ البصريُّ، من ولد بُسْر ابن أرطاة قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) غندرٌ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ تَوْبَةَ) بفتح الفوقيَّة والموحَّدة بينهما واوٌ ساكنةٌ ابن كيسان (العَنْبَرِيِّ) بالنُّون والموحَّدة والرَّاء، نسبةٌ إلى بني العنبر بطنٍ مشهورٍ من بني تميمٍ أنَّه (قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ) عامر بن شَرَاحيل: (أَرَأَيْتَ) أي: أأبصرت (حَدِيثَ الحَسَنِ) البصريِّ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ؟! وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ) ☻ ، أي: جالسته (قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ) ولأبوي الوقت وذرٍّ: ”رَوَى“ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم غَيْرَ هَذَا) قال في «الفتح»: والاستفهام في قوله: «أرأيت» للإنكار، وكان الشَّعبيُّ يُنكِر على من يُرسِل الأحاديث عن النَّبيِّ صلعم إشارةً إلى أنَّ الحامل لفاعل(1) ذلك طلب الإكثار من التَّحديث عنه، وإلَّا لكان يكتفي بما(2) سمعه موصولًا، وقال في «الكواكب»: غرضه أنَّ الحسن _مع أنَّه تابعيٌّ_ يُكثر الحديث عن النَّبيِّ صلعم ؛ يعني: جريءٌ على الإقدام عليه، وابن عمر _مع أنَّه صحابيٌّ_ مقلِّلٌ فيه، محتاطٌ محترزٌ مهما أمكن له، وكان عمر ☺ يحضُّ على قلَّة التَّحديث عنِ النَّبيِّ صلعم / خشية أن يُحدَّث عنه بما لم يقل؛ لأنَّهم لم يكونوا يكتبون، فإذا طال العهد، لم يُؤمَن النِّسيان، وقول الحافظ ابن حجرٍ: «وقوله: وقاعدت ابن عمر» الجملة حاليَّةٌ، تعقَّبه العينيُّ بأنَّه ليس كذلك، بل هو ابتداء كلامٍ لبيان تقليل(3) ابن عمر في الحديث، والإشارة في قوله: «غير هذا» إلى قوله: (قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم فِيهِمْ سَعْدٌ) بسكون العين ابن أبي وقَّاصٍ ☺ (فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ) وعند الإسماعيليِّ من طريق معاذٍ عن شعبة «فأتوا بلحم ضبٍّ» وسبق في «الأطعمة» [خ¦5391] عن ابن عبَّاسٍ عن خالد بن الوليد: «أنَّه دخل مع رسول الله صلعم بيت ميمونة، فأُتِي بضبٍّ محنوذٍ، فأهوى إليه رسول الله صلعم بيده» (فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم ) وهي ميمونة كما عند الطَّبرانيِّ (إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَأَمْسَكُوا) أي: الصَّحابة عن الأكل (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : كُلُوا) منه (أَوِ(4) اطْعَمُوا) بهمزة وصلٍ (فَإِنَّهُ حَلَالٌ _أَوْ قَالَ) ╕ : (لَا بَأْسَ بِهِ) قال شعبة: (شَكَّ فِيهِ) توبة(5) العنبريُّ_ (وَلَكِنَّهُ) قال صلعم : لكنَّ الضَّبَّ (لَيْسَ مِنْ طَعَامِي) المألوف فلذا أترك أكله، لا لكونه حرامًا، وفيه إظهار الكراهة لما يجده الإنسان في نفسه لقوله في الحديث الآخر: «فأجدني أعافه» [خ¦5391].
          وهذا آخر «كتاب الأحكام» وما بعده من «التَّمنِّي» و«إجازة خبر الواحد» وفرغت منه بعون الله وتوفيقه في يوم الأربعاء(6) خامس عشر شهر الله المحرَّم(7) الحرام سنة ستَّ عشرةَ وتسعِ مئة، واللهَ أسألُ الإعانةَ على التَّكميلِ، فهو حسبي ونِعْمَ الوكيل(8).


[1] في (ص): «الحامل لنا على». والمثبت موافق للفتح.
[2] في (ع): «مما». والمثبت موافق للفتح.
[3] في (ع): «فعل». والمثبت موافق للعمدة.
[4] في (ب): «و».
[5] «توبة»: ليس في (ع).
[6] زيد في (ص): «في».
[7] في (ص): «شهرمحرَّم».
[8] قوله: «وفرغت منه بعون الله وتوفيقه... فهو حسبي ونعم الوكيل» سقط من (ع).