إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلين اختصما إلى النبي

          7258- 7259- 7260- وبه قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ) بضمِّ الزَّاي مُصغَّرًا / أبو خيثمة النَّسائيُّ الحافظ، نزيل بغداد، قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ صَالِحٍ) هو ابن كيسان (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ: (أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ) بضمِّ العين (بْنَ عَبْدِ اللهِ) بن عتبة (أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) الجهنيَّ ☻ (أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلعم ).
          وبه قال المؤلِّف: (وَحَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُبَيْدُ اللهِ) بضمِّ العين (بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلعم ) وفي رواية ابن أبي ذئبٍ عند البخاريِّ: «وهو جالس في المسجد»(1) (إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ لِي بِكِتَابِ اللهِ) الذي حَكَم به على عباده، أو المراد ما تضمَّنه القرآن (فَقَامَ خَصْمُهُ) زاد في روايةٍ أخرى «وكان أفقه منه» [خ¦6827] (فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللهِ)(2)، وفي روايةٍ أخرى: «فاقضِ له» بزيادة الفاء، وفيه جزاء شرطٍ محذوفٍ، يعني: اتَّفقتُ معه بما عرض على جنابك، فاقضِ، فوضع كلمة التَّصديق موضع الشَّرط (وَائْذَنْ لِي) زاد ابن أبي شيبة عن سفيان: «حتَّى أقولَ» (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم : قُلْ، فَقَالَ) أي: الثَّاني كما هو ظاهر السِّياق: (إِنَّ ابْنِي) زاد في «باب الاعتراف بالزِّنى» [خ¦6827] «هذا» وفيه أنَّ الابن كان حاضرًا فأشار إليه، ومعظم الرِّوايات ليس فيها لفظة(3) «هذا» (كَانَ عَسِيفًا) بفتح العين وكسر السِّين المهملتين(4) آخره فاءٌ (عَلَى هَذَا) إشارةٌ لخصمه، وهو زوج المرأة، قال الزُّهريُّ أو غيره: (_وَالعَسِيفُ الأَجِيرُ_) وسُمِّي به لأنَّ المستأجر يعسفه في العمل، والعسف الجَور، وقوله: «على هذا» ضمَّن «على» معنى «عند» وكأنَّ الرَّجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور، فكان ذلك سببًا لما وقع له معها (فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ) لم يعرف الحافظ ابن حجرٍ اسمها ولا اسم الابن (فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ) بالفاء (مِنْهُ) أي: من الرَّجم (بِمِئَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ) جاريةٍ، وكأنَّهم ظنُّوا أنَّ ذلك حقٌّ له يستحقُّ أن يعفو عنه على مالٍ يأخذه(5) منه، وهو ظنٌّ باطلٌ (ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ) لأنَّها مُحصَنةٌ (وَأَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) فيه جواز الإفتاء في زمانه صلعم وبلده (فَقَالَ) صلوات الله وسلامه عليه: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ) وفي رواية عمرو بن شعيبٍ عن ابن شهابٍ عند النَّسائيِّ: «لأقضيَنَّ بينكما بالحقِّ» وذلك يرجِّح الاحتمال الأوَّل في قوله: «اقضِ لي بكتاب الله» (أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرُدُّوهَا) على صاحبها (وَأَمَّا ابْنُكَ؛ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لأنَّه اعترف وكان بِكْرًا (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ _لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ_) قال ابن السَّكن في «كتاب الصَّحابة»: لا أدري من هو؟ ولا وجدتُ له روايةً ولا ذكرًا إلَّا في هذا الحديث، وقال ابن عبد البرِّ: هو ابن الضَّحَّاك الأسلميُّ (فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) بالغين المعجمة السَّاكنة أي: فاذهب إليها (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) بالزِّنى (فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا) فذهب إليها (أُنَيْسٌ) فسألها (فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا) بعد استيفاء الشُّروط الشَّرعيَّة، وعُدِّي «غدا» بـ «على» لفائدة الاستعلاء، أي: متأمِّرًا عليها وحاكمًا عليها، وقد عُدِّيت(6) بـ «على» في القرآن الكريم، قال تعالى: {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ}[القلم:22] وقال الشَّاعر:
وقد أغدو على ثُبةٍ كرامٍ                     نَشاوى واجدين لما نشاءُ
ومباحث هذا الحديث سبقت في مواضع كـ «المحاربين» [خ¦6827] فلتُراجَع في مظانِّها، وفي الحديث: أنَّ المُخَدَّرة التي لا تعتاد البروز لا تُكلَّف الحضور لمجلس الحكم، بل يجوز أن يُرسَل إليها من يحكم لها وعليها، ومطابقتة للتَّرجمة قيل: من تصديق أحد المتخاصمين الآخر وقبول خبره.


[1] لم نقف عليها في صحيح البخاري.
[2] قوله: «الذي حَكَم به على عباده، أو المراد... اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللهِ» سقط من (ع).
[3] في (ب) و(س): «لفظ».
[4] في (ب) و(س): «المهملة».
[5] في (ص): «فأخذه»، وهو تحريفٌ.
[6] في (ع): «عدَّت»، ولعلَّه تحريفٌ.