إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن شر الناس ذو الوجهين

          7179- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) بفتح الحاء المهملة، المصريِّ من صغار التَّابعين (عَنْ عِرَاكٍ) بكسر العين المهملة وتخفيف الرَّاء، ابن مالكٍ الغفاريِّ المدنيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ : (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِنْ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ؛ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ) القوم (بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ) القوم (بِوَجْهٍ) وفي «التِّرمذيِّ» من طريق(1) أبي معاوية: «إِنَّ من شرِّ النَّاس»، ولمسلم من رواية ابن شهابٍ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة: «تجدون من شرِّ النَّاس ذا الوجهين»، فرواية: «إنَّ شرَّ النَّاس» محمولةٌ على التي فيها «من شرِّ النَّاس»، ووصفه بكونه «شرَّ الناس» أو «من شرِّ النَّاس» مبالغةٌ في ذلك، قال القرطبيُّ: إنَّما كان ذو الوجهين شرَّ النَّاس؛ لأنَّ حاله حال المنافق؛ إذ هو متملِّقٌ بالباطل وبالكذب، مُدخِلٌ للفساد بين النَّاس، وقال النَّوويُّ: هو الذي يأتي كلَّ طائفةٍ بما يُرضيها، فيُظهِر لها أنَّه منها، ومخالفٌ لضدِّها، وصنيعه نفاقٌ محضٌ، كذبٌ وخداعٌ، وتحيُّلٌ على الاطلاع على أسرار الطَّائفتين، وهي مداهنةٌ محرَّمةٌ، قال: فأمَّا من يقصد بذلك الإصلاح بين الطَّائفتين؛ فهو محمودٌ. انتهى. وقوله: «ذو الوجهين» ليس المراد به الحقيقة، بل هو مجاز عن الجهتين، من(2) المدحة والمذمَّة، قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ}[البقرة:14] أي: إذا لقي هؤلاء المنافقون؛ المؤمنين أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة؛ غرورًا منهم للمؤمنين، ونفاقًا وتقيَّةً، وإذا انصرفوا إلى شياطينهم وساداتهم وكبرائهم ورؤسائهم من أحبار اليهود ورؤوس(3) المشركين والمنافقين(4) {قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ}[البقرة:14] ساخرون بالقوم.
          والحديث أخرجه مسلمٌ.


[1] «مِنْ طريق»: سقط من (د)، في (ع): «عن».
[2] في غير (د): «مثل».
[3] في (ع): «ورؤساء».
[4] «والمنافقين»: ليس في (د).