إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة

          7111- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشحيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أي: ابن درهمٍ الأزديُّ الجهضميُّ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختِيانيِّ (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر أنَّه (قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ) وكان ابن عمر لمَّا مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته، وكان السَّبب في خلعه ما ذكره الطَّبريُّ: أنَّ يزيد بن معاوية كان أمَّر على المدينة ابن عمِّه عمَّار(1) بن محمَّد بن أبي سفيان، فأوفد إلى يزيد جماعةً من أهل المدينة؛ منهم: عبد الله بن(2) غسيلِ الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرٍو المخزوميُّ في آخرين، فأكرمهم وأجازهم، فرجعوا فأظهروا عيبه، ونسبوه إلى شرب الخمر وغير ذلك، ثمَّ وثبوا على عمَّارٍ(3) فأخرجوه، وخلعوا يزيد، فلمَّا وقع ذلك (جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ) بالمهملة ثمَّ المعجمة المفتوحتين: جماعته الملازمين لخدمته؛ خشيةَ أن ينكثوا مع أهل المدينة حين نكثوا بيعة يزيد(4) (وَوَلَدَهُ، فَقَالَ) لهم: (إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: يُنْصَبُ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون النُّون وفتح الصَّاد المهملة بعدها مُوحَّدةٌ (لِكُلِّ غَادِرٍ) بالغين المعجمة والدَّال المهملة، من الغدر (لِوَاءٌ) بالرَّفع مفعولٌ ناب عن فاعل، أي: رايةٌ يُشْهَر(5) بها على رؤوس الأشهاد (يَوْمَ القِيَامَةِ) بقدر غدرته (وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ) يزيد بن معاوية (عَلَى بَيْعِ(6) اللهِ وَرَسُولِهِ) أي: على شرط ما أمرا به من بيعة الإمام؛ وذلك أنَّ من بايع أميرًا؛ فقد أعطاه الطَّاعة، وأخذ منه العطيَّة، فكان كمن باع سلعةً وأخذ ثمنها (وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ عُذْرًا) بضمِّ العين المهملة وسكون الذَّال المعجمة في الفرع مُصلحًا، وفي «اليونينيَّة» وغيرها: ”غَدْرًا“ بفتح الغين المعجمة وسكون الدَّال المهملة (أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ) بفتح التَّحتيَّة قبل العين (رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ) وفي رواية صخر بن جُويريَة عن نافعٍ عند(7) أحمد: «وإنَّ من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع الرَّجل رجلًا على بيع الله، ثمَّ ينكُث بيعته» (وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ) أي: خلع يزيد (وَلَا بَايَعَ) أحدًا، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ولا تابع“ بالفوقيَّة والموحَّدة، بدل الموحَّدة والتَّحتيَّة (فِي هَذَا الأَمْرِ إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ) بالفاء المفتوحة بعدها(8) تحتيَّةٌ ساكنةٌ وصادٌ مهملةٌ مفتوحةٌ فلامٌ: القاطعة(9) (بَيْنِي وَبَيْنَهُ) وفيه وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار، وأنَّه لا ينخلع بالفسق، ولمَّا بلغ يزيد أنَّ أهل المدينة خلعوه؛ جهَّز لهم جيشًا مع مسلم بن عقبة المرِّيِّ(10)، وأمره أن يدعوهم ثلاثًا، فإن رجعوا، وإلَّا؛ فيقاتلهم وأنَّه إذا‼ ظهر؛ يبيح المدينة للجيش ثلاثًا، ثمَّ يكفُّ عنهم، فتوجَّه إليهم، فوصل في ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وستِّين(11)، فحاربوه، وكانوا(12) قد اتَّخذوا خندقًا، وانهزم أهل المدينة، وقُتِلَ حنظلة، وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثًا فقُتِلَ جماعةٌ من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التَّابعين وهم ألفٌ وسبع مئة، وقُتِلَ من أخلاط النَّاس عشرة آلافٍ سوى النِّساء والصِّبيان، وقُتِلَ بها جماعةٌ من حَمَلة القرآن، وقُتِلَ جماعةٌ صبرًا؛ منهم: معقل بن سنان، ومحمَّد بن أبي الجهم بن حذيفة، وجالت(13) الخيل في مسجد رسول الله صلعم ، وبايع الباقين كرهًا على أنَّهم خَوَلٌ ليزيد، وأخرج يعقوب بن سفيان في «تاريخه» بسندٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاسٍ قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستِّين سنةً: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا}[الأحزاب:14] يعني: إدخال بني حارثة أهل الشَّام على أهل المدينة في وقعة الحرَّة، قال يعقوب: وكانت وقعة الحرَّة في ذي القعدة سنة ثلاثٍ وستِّين، وذكر: أنَّ المدينة خلت من أهلها، وبقيت ثمارها للعوافي من الطَّير(14) والسِّباع؛ كما قال ╕ ، ثمَّ تراجع النَّاس إليها.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من حيث إنَّ في القول في الغيبة بخلاف الحضور نوع غدرٍ، وحديث الباب / سبق في «الجزية» [خ¦3188]، وأخرجه مسلمٌ في «المغازي».


[1] هكذا في كل الأصول، والذي في تاريخ الطبري (5/482)، والفتح (13/71): «عثمان».
[2] في (ع): «حنظلة».
[3] هكذا في كل الأصول، والذي في تاريخ الطبري (5/482)، والفتح (13/71): «عثمان».
[4] قوله: «خشيةَ أن ينكثوا مع أهل المدينة حين نكثوا بيعة يزيد» سقط من (د).
[5] في (د): «يُشْتَهر».
[6] في (ع): «بيعة».
[7] في (ع): «عن».
[8] في (د) و(ص): «بعدُ».
[9] في (د): «المقاطعة».
[10] في (ع): «المروي»، وهو تحريفٌ.
[11] «وستين»: سقط من (د) و(ص) و(ع).
[12] في (ع): «وكان».
[13] قال العلَّامة قطة ⌂ : في نسخة : «وبالت».
[14] في (د): «للعوافي والطُّيور».