إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم

          7100- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) بن سليمان الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ) بالتَّحتيَّة المشدَّدة والشِّين المعجمة، راوي عاصمٍ المقرئ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ) بفتح الحاء وكسر الصَّاد المهملتين، عثمان بن عاصمٍ الأسديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ) بفتح الهمزة والمهملة (قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ) بن عبيد الله (وَالزُّبَيْرُ) بن العوام (وَعَائِشَةُ) أمُّ المؤمنين ♥ (إِلَى البَصْرَةِ) وكانت عائشة بمكَّة، فبلغها قتل عثمان ☺ ، فحضَّتِ النَّاس على القيام بطلب دم عثمان، وكان النَّاس قد بايعوا عليًّا بالخلافة، وممَّن بايعه طلحة والزُّبير، واستأذنا عليًّا في العمرة، فخرجا إلى مكَّة، فلقيا عائشة، فاتَّفقا معها على طلب دم عثمان حتَّى يقتلوا قتلته، فسارت عائشة على جملٍ اسمه: عسكر _اشتراه لها يَعلى بن أميَّة من رجلٍ من عرينة بمئتي دينارٍ_ في ثلاثة آلاف رجلٍ من مكَّة والمدينة، ومعها طلحة والزُّبير، فلمَّا‼ نزلت ببعض(1) مياه بني عامر؛ نبحت عليها الكلاب، فقالت: أيُّ ماءٍ هذا؟ قالوا: الحَوْأَب؛ بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزةٌ مفتوحةٌ فموحَّدةٌ، فقالت: إنَّ النَّبيَّ صلعم قال لنا ذات يوم: «كيف بإحداكنَّ تنبح(2) عليها كلاب الحَوْأَب؟» وعند البزَّار من حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّه صلعم قال لنسائه: «أيَّتكنَّ صاحبة الجمل الأَدْبَبِ» _بهمزةٍ مفتوحةٍ، ودالٍ مهملةٍ ساكنةٍ فموحَّدتين_ «تخرج حتَّى تنبحها(3) كلاب الحَوْأَب، يُقْتَل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرةٌ، وتنجو بعدما كادت»، وخرج عليٌّ ☺ من المدينة لمَّا بلغه ذلك خوف الفتنة في آخر شهر ربيعٍ الأوَّل سنة ستٍّ وثلاثين في تسع مئة راكبٍ، ولمَّا قدم البصرة؛ قال له قيس بن عبَّاد وعبد الله بن الكَوَّاء: أَخْبِرْنا عن مسيرك، فذكر كلامًا طويلًا، ثمَّ ذكر طلحة والزُّبير، فقال: بايعاني بالمدينة، وخالفاني بالبصرة، وكان قد (بَعَثَ عَلِيٌّ) ☺ (عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ) أي: ابن فاطمة، يستنفران النَّاس (فَقَدِمَا عَلَيْنَا الكُوفَةَ) فدخلا المسجد (فَصَعِدَا المِنْبَرَ، فَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ المِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ)(4) لأنَّه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله صلعم ، ولأنَّه كان الأمير على من أرسلهم عليٌّ وإن كان في عمَّارٍ ما يقتضي رجحانه، فضلًا عن مساواته، أو فعله عمَّارٌ تواضعًا معه، وإكرامًا لجدِّه ╕ (وَقَامَ عَمَّارٌ) على المنبر (أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ) قال أبو مريم(5): (فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلعم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلَاكُمْ) بها (لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ) تعالى (تُطِيعُونَ أَمْ) تطيعون (هِيَ) ♦ ؟ وقيل: الضَّمير في «إيَّاه» لعليٍّ، والمناسب أن يقول: «أو إيَّاها»(6)، لا «هي»، وقال في «المصابيح»: فيه نظرٌ؛ من حيث إنَّ «أم» فيه متَّصلةٌ، فقضيَّة(7) المعادلة بين المتعاطفين بها أن يُقَال: أم إيَّاها؟ انتهى. وأجاب الكِرمانيُّ بأنَّ الضَّمائر يقوم بعضها مقام بعضٍ، قال في «الفتح»: وهو على بعض الآراء، وقوله: «ليَعْلَم» بفتح الياء مبنيًّا للفاعل في الفرع، قال / في «الكواكب»: والمراد به: العلم الوقوعيُّ، أو(8) تعلُّق العلم، أو(9) إطلاقه على سبيل المجاز عن التَّمييز؛ لأنَّ التَّمييز لازمٌ للعلم، وإلَّا فالله تعالى عالمٌ أزلًا وأبدًا ما كان وما يكون(10)، وعند الإسماعيليِّ من وجهٍ آخر عن أبي بكر بن عيَّاشٍ: صعد عمَّارٌ المنبر، فحضَّ النَّاس في الخروج إلى قتال عائشة، وفي رواية ابن أبي ليلى في القصَّة المذكورة(11) فقال الحسن: إنَّ عليًّا يقول: إنِّي أُذكِّر اللهَ رجلًا رعى الله حقًّا ألَّا نَفَرَ، فإن كنت مظلومًا؛ أعانني، وإن كنت ظالمًا؛ أخذلني(12)، والله إنَّ طلحة والزُّبير لأَوَّل من بايعني، ثم نكثا، ولم أستأثر بمالٍ، ولا بدَّلت حكمًا، قال: فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل، وعند ابن أبي شيبة(13) من طريق شِمر بن عطيَّة عن عبد الله بن زيادٍ قال: قال عمَّارٌ: إنَّ أمَّنا سارت مسيرها(14) هذا، وإنَّها _والله_ زوج محمَّدٍ صلعم في الدُّنيا والآخرة، ولكنَّ الله تعالى ابتلانا؛ ليعلم إيَّاه نطيع أو إيَّاها؟ ومراد عمَّارٍ بذلك: أنَّ الصواب في تلك القصَّة كان مع عليٍّ‼، وأنَّ عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن الإسلام، ولا ألَّا تكون زوجة النَّبيِّ صلعم في الجنَّة، وكان ذلك يُعَدُّ من إنصاف عمَّارٍ، وشدَّة ورعه، وتحرِّيه قول الحقِّ، وقال ابن هبيرة في هذا الحديث: إنَّ عمَّارًا كان صادق اللَّهجة، وكان لا تستخفُّه الخصومة إلى تنقيص خصمه؛ فإنَّه شهد لعائشة بالفضل التَّامِّ مع ما بينهما من الحرب.


[1] في (د): «بعض».
[2] في غير (د): «ينبح».
[3] في (د): «ينبحها»، وفي (ص): «ينبح عليها».
[4] زيد في (د): «يستنفر النَّاس».
[5] قوله: «قال أبو مريم»: جاء في (د) و(ص) بعد قوله: «إلى البصرة».
[6] في «الفتح»: والمناسب أن يقال: «أم إياها».
[7] في (ع): «نقيضة»، وهو تحريفٌ.
[8] في (ص): «و».
[9] في (ص): «إذ».
[10] قوله: «وقوله: ليَعْلَم بفتح الياء... ما كان وما يكون» جاء في غير (د) لاحقًا عند قوله: «مع ما بينها من الحرب»، ولعلَّ المثبت هو الأرجح.
[11] «القصة المذكورة»: زيد من (ب) و(س).
[12] في (د): «أخذ منِّي».
[13] في (د): «شبنة»، وهو تصحيفٌ.
[14] في (د): «مسيرنا».