إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم

          7089- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ) بفتح الفاء والمعجمة، أبو زيدٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستُـَوائيُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ صلعم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالمَسْأَلَةِ) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الواو، أي: ألحُّوا عليه في السُّؤال وبالغوا (فَصَعِدَ) بكسر العين (النَّبِيُّ صلعم ذَاتَ يَوْمٍ المِنْبَرَ) ولأبي ذرٍّ: ”على المنبر“ (فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي) أي: اليوم كما في الرِّواية الأخرى في «كتاب الدُّعاء» [خ¦6362] (عَنْ شَيْءٍ) من الغيب (إِلَّا بَيَّنْتُـ)ـه (لَكُمْ) قال أنسٌ: (فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ) إلى الصَّحابة (يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ) حاضرٍ منهم (رَأْسُهُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”لافٌّ رأسَه“ بألف بعد اللَّام وتشديد الفاء، ونصب «رأسه» (فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ) بدأ بالكلام(1) (كَانَ إِذَا لَاحَى) بفتح الحاء المهملة: جادل وخاصم أحدًا (يُدْعَى) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون الدَّال وفتح العين المهملتين: يُنسَبُ (إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ) ╕ : (أَبُوكَ حُذَافَةُ) بضمِّ الحاء المهملة وفتح الذَّال المعجمة وبعد الألف فاءٌ فهاء تأنيثٍ، أي: ابنَ قيسٍ، واسم الرَّجل قيل: قيس بن حذافة، وقيل: خارجة، وقيل: عبد الله، قال في «الفتح»: وهو المعروف، قلت: وصرَّح به البخاريُّ في: «باب ما يُكْرَه من كثرة السُّؤال» من «كتاب الاعتصام» [خ¦7294] (ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ) بن / الخطَّاب ☺ لمَّا رأى ما بوجه(2) النَّبيِّ صلعم من الغضب (فَقَالَ) شفقةً على المسلمين: (رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ) صلعم (رَسُولًا) أي: رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنَّة رسول الله(3) صلعم ، واكتفينا به عن السُّؤال (نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الفِتَنِ) بضمِّ السِّين المهملة بعدها واوٌ ساكنةٌ فهمزةٌ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”من شرِّ الفتن“ (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا رَأَيْتُ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ كَاليَوْمِ) يومًا مثل هذا اليوم (قَطُّ، إِنَّهُ) بكسر الهمزة (صُوِّرَتْ لِي الجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا) رؤيا عينٍ (دُونَ الحَائِطِ) أي: بيني وبين الحائط؛ وهو حائط محرابه صلعم ، وسقط قوله «لي» في رواية غير الكُشْمِيهَنيِّ (قَالَ قَتَادَةُ) بن دِعامة بالسَّند السَّابق: (يُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله وفتح الكاف (هَذَا الحَدِيثُ) رفعٌ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فكان قتادة يَذْكُرُ هذا الحديثَ“ بفتح الياء من ”يَذْكُر“ وضمِّ الكاف‼ و”الحديثَ“ نُصِبَ على المفعوليَّة (عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101]) الآية، أي: لا تسألوا رسول الله صلعم عن أشياء إن تظهرْ لكم؛ تغمّكم، وإن تسألوا عنها في زمن الوحي؛ تظهر لكم، وهما كمقدِّمتين يُنتجِان ما يمنع السُّؤال؛ وهو أنَّه ممَّا يغمُّهم، والعاقل لا يفعل ما يغمُّه.
          7090- (وَقَالَ عَبَّاسٌ) بالمُوحَّدة والمهملة، ابن الوليد بن نصرٍ الباهليُّ (النَّرْسِيُّ) بالنُّون المفتوحة والرَّاء السَّاكنة والسِّين المهملة المكسورة؛ ممَّا وصله أبو نُعيمٍ في «مستخرجه» (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هو ابن أبي عَروبة قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دِعامة: (أَنَّ أَنَسًا) ☺ (حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلعم ... بِهَذَا) الحديث السَّابق(4) (وَقَالَ) أنسٌ: (كُلُّ رَجُلٍ) كان هناك حال كونه (لَافًّا) بالفاء (رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي) خوفًا من عقوبة الله؛ لكثرة سؤالهم له صلعم ، وتعنُّتهم عليه، ففيه زيادة قوله: «لافًّا رأسه»، فدلَّ على أنَّ زيادتها في الأوَّل وهمٌ من الكُشْمِيهَنيِّ، قاله في «الفتح» (وَقَالَ) كلُّ رجل ٍمنهم: (عَائِذًا بِاللهِ) أي: حال كونه مُستعيذًا بالله (مِنْ سُوءِ الفِتَنِ) بالسِّين المهملة والواو، ثمَّ الهمزة، ولابن عساكر: ”من شرِّ الفتن“ بالشِّين المعجمة والرَّاء (أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الفِتَنِ) بضمِّ السِّين وسكون الواو، ولأبي ذَرٍّ: ”من سَوْأَى الفتن“ بفتح المهملة وبعد الواو السَّاكنة همزةٌ مفتوحةٌ ممدودةٌ، قال في «فتح الباري»: بيَّن أنَّه في رواية سعيدٍ بالشَّكِّ في «سُوء» و«سَوْأى».
          7091- قال المؤلِّف: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ) بن خيَّاطٍ في المذاكرة: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هو ابن أبي عَروبة (وَمُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ) سليمان بن طرخان (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة: (أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلعم بِهَذَا...) الحديث، (وَقَالَ: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ شَرِّ الفِتَنِ) بالشِّين المعجمة والرَّاء المشدَّدة، واستعاذتُه صلعم من الفتن تعليمٌ لأمَّته، وفيه منقبةٌ لعمر بن الخطَّاب ☺ .


[1] في غير (د) و(س): «الكلام».
[2] في (د): «في وجه»، وفي (ص): «ما من وجه».
[3] في (ع): «رسوله».
[4] «السابق»: ليس في (د).