إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح

          7061- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ) بتشديد التَّحتيَّة آخره معجمةٌ، الرَّقَّام البصريُّ قال: (أَخْبَرَنَا(1) عَبْدُ الأَعْلَى) بن عبد الأعلى السَّاميُّ _بالسِّين المهملة_ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ) بفتح الميمَين، ابنُ راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ (عَنْ سَعِيدٍ) بكسر العين، ابن المسيَّبِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنه (قَالَ: يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ) بأنْ يعتدلَ اللَّيل والنَّهارُ، أو يدنوَ قيامُ السَّاعة، أو تقصرَ الأيَّام واللَّيالي، أو يتقاربَ في الشرِّ والفساد حتَّى لا يبقى من يقول: الله الله، أو المراد بتقاربه: تسارعُ الدُّول في الانقضاء، والقرون إلى الانقراض، فيتقاربُ زمانُهم، وتتدانى أيَّامُهم، أو تتقارب أحواله في أهله في قلَّة الدِّين، حتَّى لا يكونَ فيهم من يأمرُ بمعروفٍ، وينهى عن منكرٍ؛ لغلبة الفسق وظهور أهله، أو المراد: قِصَرُ الأعمار بالنِّسبة إلى كلِّ طبقةٍ، فالطَّبقةُ الأخيرة أقصرُ أعمارًا من الطَّبقة الأخيرةِ(2) التي قبلها، وفي حديث أنسٍ عند التِّرمذيِّ مرفوعًا: «لا تقوم السَّاعةُ حتَّى يتقاربَ الزَّمانُ، فتكونَ السَّنةُ كالشَّهر، والشَّهر‼ كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالسَّاعة، وتكون السَّاعة كاحتراق السَّعْفة»، وما تضمَّنه هذا الحديث قد وُجِدَ في هذا الزَّمان، فإنَّا نجد من سرعة الأيَّام ما لم نكنْ نجدُه في العصر الذي قبله، والحقُّ أنَّ المراد: نزعُ البركة من كلِّ شيءٍ حتَّى من الزَّمان، وهذا من علامات قرب السَّاعة، وقال النَّوويُّ: والمرادُ بقِصَرِه: عدمُ البركة فيه، وأنَّ اليوم مثلًا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالسَّاعة الواحدة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي(3) والمُستملي: ”يتقارب الزَّمن“ بإسقاط الألف بعد الميم، وهي لغةٌ فيه شاذَّةٌ؛ لأنَّ فَعَلًا(4) بالفتح لا يُجْمَعُ على أَفْعُل(5) إلَّا حروفًا يسيرةً: زَمَن وأزمُن، وجَبَل وأجبُل، وعَصَب وأعصُب (وَيَنْقُصُ العَمَلُ) بتحتيَّةٍ مفتوحةٍ فَنونٍ ساكنةٍ فقافٍ مضمومةٍ فصادٍ مهملةٍ، و«العمل»: بالعين والميم بعدها لامٌ، ولأبي(6) ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ ممَّا هو في فرع(7) «اليونينيَّة» كـأصلها: ”ويُقْبَضُ العلمُ“ بضمِّ التَّحتيَّة بعدها قافٌ ساكنةٌ فموحَّدةٌ فضادٌ معجمةٌ، و«العلم»: بتقديم اللَّام على الميم، وقال في «فتح الباري»: قوله: ”ويَنْقُصُ العلم“ يعني: بالنُّون والصَّاد المهملة كذا للأكثر، وفي رواية المُستملي والسَّرخسيِّ: ”العمل“ يعني: بدل «العلم»، قال: ومثله في رواية شُعيبٍ عن الزُّهريِّ عن حُمَيد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرةَ عند مسلمِ. انتهى. وقد قيل: إنَّ نقصان العمل الحسيِّ ينشأ عن نقص الدِّين ضرورةً، وأمَّا المعنويُّ، فبسبب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المَطْعَم، وقلَّة المساعد على العمل، والنَّفس ميَّالةٌ إلى الرَّاحة وتحِنُّ إلى جنسها، ولكثرة شياطين الإنس الذين هم أضرُّ من شياطين الجنِّ(8) (وَيُلْقَى الشُّـَـِحُّ) بتثليث الشِّين؛ وهو البُخلُ في قلوب النَّاس على اختلاف أحوالهم، حتَّى يبخلَ العالِم بعلمه، فيتركَ التَّعليم والفتوى، ويبخلَ / الصَّانع بصناعته حتَّى يتركَ تعليمَ غيره، ويبخل الغنيُّ بماله حتَّى يهلك الفقيرُ، وليس المراد أصل الشُّحِّ؛ لأنَّه لم يزلْ موجودًا، فالمراد: غلبته وكثرته، وليس بينه وبين قوله في «كتاب الأنبياء» [خ¦3448] «ويفيض المال حتَّى لا يقبله أحد» تعارض؛ إذ كلٌّ منهما في زمانٍ غير زمان الآخر، وقوله: «ويُلْقَى» بضمٍّ فسكون ففتحٍ، وقال الحميديُّ: لم يضبطِ الرُّواة هذا الحرف، ويُحْتَمَلُ أن يكون بتشديد القاف بمعنى: يُتَلقَّى، ويُتَعلَّم، ويُتَواصَى به، ويدَعى إليه، من قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}(9)[القصص:80] أي: لا(10) يُعلَّمُها ويُنبَّه عليها، ولو قيل: «يُلْقَى» بتخفيف القاف؛ لكان أبعد؛ لأنَّه لو أُلْقِي لَتُرِكَ، ولم يكن موجودًا. انتهى. قال في «المصابيح»: وهذا غير لازمٍ؛ إذ يمكن أنَّ(11) المراد: يُلْقَى الشُّحُّ في القلوب، أي: يُطرَح فيها، فيكون حينئذٍ موجودًا لا معدومًا (وَتَظْهَرُ الفِتَنُ) أي: كثرتُها، وهذا موضع التَّرجمة (وَيَكْثُرُ الهَرْجُ) بفتح الهاء وسكون الرَّاء بعدها جيمٌ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّمَ) بفتح الهمزة وتشديد التَّحتيَّة وفتح الميم مُخفَّفةً، أي: أيُّ شيءٍ (هُوَ؟) أي: الهَرْج، والأكثر على حذف(12) الألف بعد ميمها(13)‼ تخفيفًا، ولأبي ذرٍّ: ”أيُّما“ بضمِّ التَّحتيَّة وبعد الميم ألفٌ، وضبطَه بعضُهم بتخفيف التَّحتيَّة، أي: بحذف الياء الثَّانية؛ كما قالوا: «أيش» في موضع «أيُّ شيءٍ»، وفي رواية عَنْبَسةَ بنِ خالدٍ عن يونسَ عند أبي داود: قيل: يا رسول الله؛ أيش هو؟ (قَالَ): هو (القَتْلُ القَتْلُ) بالتِّكرار مرَّتين.
          (وَقَالَ شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة ممَّا وصله المؤلِّف في «الأدب» [خ¦6037] (وَيُونُسُ) بنُ يزيدَ ممَّا وصله مسلمٌ في «صحيحه» بلفظ: «ويقبض العلم»، وقدَّمَ «وتظهر الفتنُ» على «ويُلْقى الشُّحُّ»، وقالوا: وما الهرجُ؟ قال: «القتل»، ولم يكرِّر لفظَ «القتل» (وَاللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمامُ فيما(14) وصله الطَّبرانيُّ في «الأوسط» (وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن عبد الله بنِ مسلمٍ ممَّا وصله في «الأوسط» أيضًا؛ أربعتُهم: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بنِ مُسْلمٍ (عَنْ حُمَيْدٍ) بضمِّ الحاء وفتح الميم، ابنِ عبدِ الرَّحمن بنِ عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) يعني: أنَّ هؤلاء الأَربعةَ خالفوا مَعْمَرًا في قوله في الحديث السَّابق: عن الزُّهْريِّ عن سعيدٍ، فجعلوا شيخَ الزُّهرِيِّ(15) حُمَيدًا لا سعيدًا، وصنيعُ المؤلِّف ☼ يقتضي أنَّ الطَّريقَين صحيحان، فإنَّه وصلَ طريقَ مَعْمرٍ هنا، ووصل طريق شُعَيبٍ في «الأدب» [خ¦6037] كما مرَّ، ولعلَّه رأى أنَّ ذلك غيرُ قادحٍ؛ لأنَّ الزُّهريَّ صاحبُ حديثٍ، فيكونُ الحديث عنده عن شيخَين، ولا يلزم من(16) ذلك اطِّراده في كلِّ مَنِ اختُلِفَ عليه في شيخه إلَّا أن يكون مثلَ الزُّهريِّ في كثرة حديثه وشيوخه، قال ابن بطَّالٍ: وجميعُ ما تضمَّنه هذا الحديثُ من الأشراط قد رأيناها عِيانًا، فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وأُلْقِيَ الشُّحُّ في القلوب، وعمَّتِ الفتنُ، وكثُر القتل، قال في «الفتح»: الذي يظهرُ أنَّ الذي شاهده كان منه الكثيرُ مع وجود مقابله، والمُرادُ من الحديث: استحكامُ ذلك حتَّى لا يبقى ممَّا يقابله إلَّا النَّادرُ، والواقعُ أنَّ الصِّفاتِ المذكورةَ وُجِدَتْ مَباديها من عهد الصَّحابة، ثمَّ صارت تكثُر في بعض الأماكن دونَ بعضٍ، وكلَّما مضت طبقةٌ؛ ظهر البعضُ الكثيرُ في التي تليها، ويشير إليه قولُه في حديث الباب التَّالي: «لا يأتي زمانٌ إلَّا والذي بعده شرٌّ منه» [خ¦7068].
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ في «القدر»، وابن ماجه في «الفتن».


[1] في (ص): «حدَّثنا».
[2] «الأخيرة»: ليس في (ع).
[3] «عن الحَمُّويي»: سقط من (ع).
[4] في (ص): «فعلان»، وليس بصحيح.
[5] في (ص) و(ع): «أفعال»، وليس بصحيح.
[6] زيد في (ع): «الوقت وأبي».
[7] في (ع): «فروع».
[8] «الجنِّ»: ليست في (ل).
[9] في (ع): «{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}».
[10] في (د) و(ص) و(ع): «ما».
[11] في (ع): «يكون»، وليس فيها «أن».
[12] «حذف»: سقط من (د).
[13] في (د) و(ص) و(ل): «ميم ما».
[14] في (د): «مما».
[15] في (ع): «الشيخ».
[16] قوله: «أنَّ ذلك غيرُ قادحٍ؛ لأنَّ الزُّهريَّ صاحبُ... ولا يلزم من» سقط من (ع).