إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله

          7045- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، ابن عمر بنِ حمزة بنِ مصعب ابنِ الزُّبير بن العوَّام، أبو إسحاق القرشيُّ الأسديُّ الزُّبيريُّ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن دينار (وَالدَّرَاوَرْدِيُّ) عبد العزيز بن محمَّد (عَنْ يَزِيدَ) من الزِّيادة، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي زيادة: ”ابن عبد الله بنِ أسامة بنِ الهاد اللَّيثيِّ“ بالمثلثة (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) بالدال المهملة ☺ (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا) على الرُّؤيا، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”عليه“ أي: على(1) المرئيّ (وَلْيُحَدِّثْ بِهَا) أي: من يحبّه (وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ) بفتح التحتية وسكون الكاف (فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ) أي: من طبعهِ وعلى وفق رضاه (فَلْيَسْتَعِذْ) أي: بالله (مِنْ شَرِّهَا‼، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) نصب بـ «لن»، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لا تضره“.
          قال الدَّاوديُّ: يريد ما كان من الشَّيطان، وأمَّا ما كان من خيرٍ أو شرٍّ فهو واقعٌ لا محالة، كرؤيا النَّبيِّ صلعم البقرَ والسَّيفَ. قال: وقوله: «ولا يذكرها لأحدٍ» يدلُّ على أنَّها إن ذكرتْ فربما أضرَّت.
          فإن قلت: قد مرَّ أنَّ الرُّؤيا قد تكون منذِرةً ومنبِّهة للمرءِ على استعداد البلاءِ قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده؛ لئلَّا يقعَ على غِرَّة، فإذا وقعَ على مقدمة وتوطين كان أَقوى للنَّفس، وأبعد لها من أذى البغتةِ، فما وجه كتمانها؟ أُجيب بأنَّه إذا أخبر بالرُّؤيا المكروهةِ يسوء(2) حالُه؛ لأنَّه لم يأمن أن تفسَّر له بالمكروه، فيستعجلُ الهمَّ ويتعذَّب بها ويترقَّب وقوعَ المكروه، فيسوءُ حاله ويغلبُ عليه اليأس من الخلاصِ من شرِّها، ويجعلُ ذلك نصب عينيهِ، وقد كان صلعم داواه من هذا البلاء الَّذي عجَّله لنفسهِ بما أمرهُ به من كتمانهِ(3) والتَّعوُّذ بالله من شرِّها، وإذا لم تفسَّر له بالمكروهِ بقي بين الطَّمع والرَّجاء فلا يجزع؛ لأنَّها من قبلِ الشَّيطان أو لأنَّ لها تأويلًا آخر محبوبًا، فأرادَ صلعم أن لا تتعذَّب أمَّته بانتظارهم خروجهَا بالمكروهِ، فلو أخبر بذلك كلّه لم ينفكّ(4) دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره، وهذه حكمةٌ بالغةٌ، فجزاه الله عنَّا ما هو أهله.
          والحديث سبق في «باب الرُّؤيا من الله» [خ¦6985].


[1] «على»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[2] في (ص) و(د): «فيسوءه».
[3] في (ب) و(س):«كتمانها».
[4] قوله: «لم ينفك» زيادة من التوضيح (32/253) لا بدَّ منها، وأصل الكلام عند ابن بطال (9/558)، وقد نبَّه العلَّامة قطة ⌂ إلى ركاكة العبارة وسقمها.