إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة

          6993- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو: عبدُ الله بن عثمان المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بنُ المبارك (عَنْ يُونُسَ) بن يزيدَ الأيليِّ (عَنِ الزُّهرِيِّ) محمَّد بن مسلم بنِ شهابٍ أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بن عبدِ الرَّحمن بنِ عوف (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ) بفتح القاف يوم القيامة رؤيةً خاصَّةً في القربِ منه، أو مَن رَآني في المنامِ ولم يكن هاجرَ يوفِّقه الله للهجرةِ إليَّ والتَّشرُّف بلقائي، ويكونُ الله تعالى جعلَ رُؤيته في المنامِ عَلَمًا على رُؤياه في اليقظةِ. قال(1) في «المصابيح»: وعلى القول الأوَّل ففيه بشارةٌ لرائيهِ بأنَّه(2) يموت على الإسلامِ، وكفى بها بشارة، وذلك لأنَّه لا يراهُ في القيامة تلك الرُّؤية الخاصَّة باعتبار القربِ منه إلَّا من تحقَّقت منه الوفاةُ على الإسلام، حقَّق اللهُ لنا ولأحبابنَا وللمسلمين ذلك بمنِّه وكرمهِ آمين (وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) هو كالتَّتميم للمعنى، والتَّعليل للحكمِ، أي: لا يحصلُ له شيءٌ(3) _أي: للشَّيطان_ مثال صُورتي ولا يتشبَّه بي، فكما منعَ الله الشَّيطان أن يتصوَّر بصورتهِ الكريمةِ في اليقظةِ‼ كذلك منعهُ في المنام؛ لئلَّا يشتبهَ الحقُّ بالباطلِ.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ ⌂ فيما وصلَه إسماعيل بنُ إسحاقَ(4) القاضي من طريق حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب(5) (قَالَ ابْنُ سِيرِينَ) محمد: لا تعتبر رؤيتُه صلعم إلَّا (إِذَا رَآهُ) الرَّائي (فِي صُورَتِهِ) الَّتي جاء وصفُه بها في حياتهِ، ومقتضاهُ أنَّه إذا رآهُ على خلافهَا كانت رُؤيا تأويلٍ لا حقيقة، والصَّحيح أنَّها حقيقةٌ سواءٌ كان على صفتهِ المعروفةِ أو غيرها. قال ابنُ العربيِّ: رؤيتُه صلعم بصفتهِ المعلومةِ إدراكٌ على الحقيقةِ، ورؤيتُه على غيرها إدراكٌ للمثالِ، فإنَّ الصَّواب أنَّ الأنبياءَ لا تغيِّرهم الأرضُ، ويكون إدراكُ الذَّات الكريمةِ حقيقة، وإدراك الصِّفات إدراك المثالِ. قال: وشذَّ بعضُ الصَّالحين فزعمَ أنَّها تقعُ بعيني الرَّأس حقيقة في اليقظةِ. انتهى.
          وقد ذكرتُ مباحث ذلك في كتابي «المواهب اللَّدنيَّة بالمنحِ المحمَّديَّة» وقد نُقل عن جماعةٍ من الصُّوفية أنَّهم رأوهُ صلعم في المنامِ ثمَّ رأوه بعد ذلك في اليقظةِ، وسألوه عن أشياءَ كانوا منها متخوِّفين، فأرشدَهم إلى طريق تفريجهَا، فجاءَ الأمرُ كذلك، وفيه بحثٌ ذكرتُه في «المواهب».
          ومن فوائدِ رؤيتهِ صلعم تسكين تشوُّق الرَّائي؛ لكونهِ صادقًا في محبَّته ليعملَ على مشاهدتهِ، وسقط قولهُ: «قال أبو عبد الله...» إلى آخره لأبي ذرٍّ.


[1] في (د): «قاله».
[2] في (د): «البشارة لرائيه في المنام أنه».
[3] «شيء»: زيادة من (ع).
[4] في (د): «بن أبي إسحاق».
[5] في (ع): «أيوب بن ثابت»، وفي (د): «أيوب ثابت».