إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي قتادة: الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان

          6986- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابن مُسَرْهدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) اليمانيُّ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) مسدَّدٌ (خَيْرًا) حالَ تحديثه (وَقَالَ: لَقِيتُهُ بِاليَمَامَةِ) بالتَّخفيف بين مكَّة والمدينة (عَنْ أَبِيهِ) يحيى أنَّه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ) بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوف (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحارث بن ربعيٍّ ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ) بفتح الحاء المهملة واللام بوزن ضَرَب، أحدكم(1) (فَلْيَتَعَوَّذْ) بالله (مِنْهُ) من الشَّيطان (وَلْيَبْصُقْ) طردًا للشَّيطان وتحقيرًا واستقذارًا(2)‼ له (عَنْ شِمَالِهِ) لأنَّه محلُّ الأقذار والمكروهات (فَإِنَّهَا) أي: الرُّؤيا المكروهة (لَا تَضُرُّهُ) لأنَّ الله تعالى جعلَ ما ذكر من التَّعوُّذ وغيره سببًا للسَّلامة من المكروه المترتِّب على الرُّؤيا، كما جعلَ الصَّدقة وقايةً للمال، وسببًا لدفع البلاء، قاله النَّوويُّ ⌂ . وقد ورد النَّفْث والتَّفْل والبَصْق، فقيل: النَّفْث والتَّفْل بمعنًى ولا يكونان إلَّا بريقٍ. وقال أبو عُبيد: يشترطُ في التَّفْل ريقٌ يسيرٌ ولا يكون في النَّفث، وقيل عكسُه، وقيل: الَّذي يجمعُ الثَّلاثة الحملُ على التَّفل فإنَّه نفخٌ معه ريقٌ(3)، فبالنَّظر إلى النَّفخ قيل له: نفثٌ، وبالنَّظر إلى الرِّيق قيل له: بصاقٌ.
          (وَ) بالسَّند السَّابق (عَنْ أَبِيهِ) أي: عن أبي عبد الله، وهو يحيى بن أبي كثيرٍ، واسم أبي كثيرٍ صالحُ بن المتوكِّل (قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ) أبي قتادة الحارث (عَنِ النَّبِيِّ صلعم مِثْلَهُ) أي: مثلَ الحديث السَّابق. واعتراضُ(4) الزَّركشيِّ في «تنقيحه» على البخاريِّ حيث قال: وإدخالُه حديثَ أبي قتادة في «باب الرُّؤيا الصَّالحة جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين جزءًا من النُّبوَّة»؛ لا وجه له، أخذَه من قول الإسماعيليِّ ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيءٍ. وأجابَ عنه في «المصابيح» بأنَّ له وجهًا ظاهرًا وهو التَّنبيه على أنَّ هذا الكلام وإنْ كان عامًّا فهو مخصوصٌ بالرُّؤيا الصَّالحة، كما دلَّت عليه أحاديث الباب. قال: وإذا(5) كان مخصوصًا بالرُّؤيا الصَّالحة اتَّجه إدخاله في بابها اتِّجاهًا ظاهرًا. انتهى. وهو مثلُ قول الحافظِ ابن حجرٍ: وجه دخوله في هذه التَّرجمة إشارةٌ إلى أنَّ الرُّؤيا الصَّالحة إنَّما كانت جزءًا من أجزاء النُّبوَّة؛ لكونها من الله تعالى بخلافِ الَّتي من الشَّيطان فإنَّها ليست من أجزاء النُّبوَّة.


[1] «أحدكم»: ليست في (س) و(ص).
[2] في (ص): «تقذيرًا».
[3] في (د) زيادة: «لطيف».
[4] في (ع) و(د): «اعترض».
[5] في (ع): «إن».