إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الجار أحق بصقبه

          6980- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضلُ بنُ دكين قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ) الطَّائفيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ) الثَّقفيِّ‼ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) اسمه أسلمُ، أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: ”قال لنا النَّبيُّ“ ( صلعم : الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ) ولأبي ذرٍّ: ”بسقبه“ بالسين بدل الصاد، أي: أحقُّ بقريبه بأن يتعهَّده ويتصدَّق عليه مثلًا، وسبق ما فيه قريبًا [خ¦6977].
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) الإمام أبو حنيفة النُّعمان: (إِنِ اشْتَرَى) أي: إن أرادَ أن يشتري (دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) مثلًا (فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ) على إسقاطِ الشُّفعة (حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ) بفتح التحيتة، أي: ينقدُ البائع (تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَ مِئَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا) أي: بمقابلة ما (بَقِيَ مِنَ العِشْرِينَ الأَلْفَ) ولأبي ذرٍّ: ”ألف“ بإسقاط لام ألف، يعني: مصارفة عنها (فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخْذَهَا) بسكون الخاء، بالشُّفعة أَخَذَها (بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) وهي الثَّمن الَّذي وقع عليه العقد (وَإِلَّا) بأن لم يرض أن يأخذها بالعشرين ألفًا (فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ) لسقوطِ الشُّفعة؛ لامتناعهِ من بذلِ الثَّمن الَّذي وقع عليه العقدُ (فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ) بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة، أي: ظهرت مستحقَّة لغير البائع (رَجَعَ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ وَهْوَ تِسْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُ مِئَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ) لكونه القدر الَّذي تسلَّمه منه، ولا يرجعُ عليه بما وقع عليه العقد (لأَنَّ البَيْعَ) أي: المبيع (حِينَ(1) اسْتُحِقَّ) بضم التاء مبنيًّا للمفعول للغير (انْتَقَضَ) بالضاد المعجمة (الصَّرْفُ) الَّذي وقع بين البائعِ والمشتري (فِي الدِّينَارِ(2)) ولأبي ذرٍّ: ”في الدَّار“ (فَإِنْ وَجَدَ) بفتح الواو (بِهَذِهِ الدَّارِ) المذكورة (عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ) بالبناء للمجهولِ، أي: والحال أنَّها لم تخرجْ مستحقَّة (فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) ولأبي ذرٍّ: ”بعشرين ألفًا“ وهذا تناقضٌ ظاهر؛ لأنَّ الأمَّة مجتمعةٌ(3) وأبو حنيفة معهم على أنَّ البائعَ لا يردُّ في الاستحقاق، والرَّدُّ بالعيب إلَّا ما قُبض، فكذلك الشَّفيع لا يشفع إلَّا بما نقد المشتري، وما قبضَه من البائعِ لا بما عقدَ، وأشار إلى ذلك بقولهِ: (قَالَ) البخاريُّ: (فَأَجَازَ) أي: أبو حنيفة ☼ (هَذَا الخِدَاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ) والخِداع _بكسر الخاء المعجمة_ أي: الحيلة في إيقاع الشَّريك في الغبنِ الشَّديد إن أخذ بالشُّفعة، أو إبطال حقِّه بسبب الزِّيادة في الثَّمن باعتبار العقدِ لو تركها.
          (وَقَالَ) البخاريُّ: قال: (النَّبِيُّ صلعم ) وسقط واو «وقال» الأولى لأبي ذرٍّ: (لَا دَاءَ) ولأبي ذرٍّ: ”بيع المسلم لا داء“ لا(4) مرض (وَلَا خِبْثَةَ) بكسر الخاء المعجمة وتضم وسكون الموحدة بعدها مثلثة، بأن يكون المبيع غير طيِّب كأنْ يكون من قومٍ لم يحلَّ سبيهم لعهدٍ تقدَّم لهم، قاله أبو عُبيدة. قال السَّفاقِسيُّ: وهذا في عهدة(5) الرَّقيق(6). قال في «الفتح»: وإنَّما خصَّه بذلك؛ لأنَّ الخبر إنَّما ورد فيه (وَلَا غَائِلَةَ) بالغين المعجمة مهموزًا‼ ممدودًا، لا سرقةَ ولا إباقَ.
          وهذا الحديث سبق في «أوائل البيوع» في: «باب إذا بَيَّن البيِّعان ونصحا» [خ¦34/19-3247] بلفظ: ويذكرُ عن العَدَّاء بنِ خالد قال: كتب لي النَّبيُّ صلعم : «هذا ما اشترى محمَّدٌ رسول الله صلعم من العدَّاء بن خالدٍ، بيعَ المسلمِ المسلمَ لا داءَ ولا خِبْثة ولا غَائلة». قال في «الفتح»: وسندُه حسنٌ، وله طرقٌ إلى العدَّاء. ورواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه موصولًا لكن فيه أنَّ المشتري العدَّاء من محمَّد رسولِ الله صلعم . وسبقَ ما في ذلك في البابِ المذكور.


[1] في (ص): «حتى».
[2] في (ل): «في» بالسواد.
[3] في (ب) و(س): «مجمعة».
[4] «لا»: ليست في (د).
[5] في (ص): «عهد».
[6] «وقال السفاقسي: وهذا في عهدة الرقيق»: ليست في (د).