إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت

          ░9▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين يذكرُ فيه: (إِذَا غَصَبَ) رجلٌ (جَارِيَةً) لغيره، فادَّعى عليه أنَّه غصبَها (فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ فَقُضِيَ) عليه بضم القاف وكسر المعجمة، أي: فقضى الحاكم عليه (بِقِيمَةِ الجَارِيَةِ المَيِّتَةِ) في زعمهِ (ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا) الَّذي غُصبت منه حيَّةً (فَهْيَ لَهُ، وَيَرُدُّ(1) القِيمَةَ) الَّتي حُكم له بها على الغاصبِ (وَلَا تَكُونُ القِيمَةُ ثَمَنًا) لها؛ لأنَّه إنَّما أخذَها لزعمهِ هلاكها، فإذا تبيَّن بطلانه رجعَ الحكمُ إلى الأصل.
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) أي: الإمامُ الأعظم أبو حنيفة ☼ : (الجَارِيَةُ) المذكورة (لِلْغَاصِبِ لأَخْذِهِ) أي: لأخذ مالِكها (القِيمَةَ) عنها من الغاصبِ. قال البخاريُّ: (وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا فَغَصَبَهَا) منه (وَاعْتَلَّ) احتجَّ (بِأَنَّهَا مَاتَتْ حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا) مالكها (قِيمَتَهَا فَيَـُطَـِيَّبُ) بفتح التحتيَّة بعد الفاء وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية، أو بضم ففتح وفتح(2) بتشديد، فيحلُّ (لِلْغَاصِبِ) بذلك (جَارِيَةَ غَيْرِهِ) وكذا في مأكولٍ أو غيرِه ادَّعى فسادَه، أو حيوانٍ مأكولٍ ذبحه، ثمَّ استدلَّ البخاريُّ لبطلان ذلك بقولهِ:
          (قَالَ(3) النَّبِيُّ صلعم ) فيما وصله مطوَّلًا في أواخر(4) «الحجِّ» [خ¦1739] (أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) / . قال في «الكواكب»: فإن قلتَ: مقابلةُ الجمعِ بالجمع تُفيد التَّوزيع، فيلزم أن يكون مال كلِّ شخصٍ حرامًا عليه. ثمَّ(5) أجاب بأنَّه كقولهِم: بنو تميمٍ قتلوا أنفسهم، أي: قتل بعضُهم بعضًا، فهو مجازٌ للقرينة الصَّارفة عن ظاهرِها كما عُلم من القواعدِ الشَّرعية. وأجاب العينيُّ بأنَّ معنى: «أموالُكم عليكم حرامٌ» إذا لم يُوجد التَّراضي، وههنا قد وجدَ بدفع الغاصبِ(6) القيمة (وَ) قال صلعم _فيما وصلَه في هذا الباب [خ¦6966]_: (لِكُلِّ غَادِرٍ) بالغين المعجمة والدال المهملة (لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ) وأجاب العينيُّ أيضًا بأنَّه لا يُقال للغاصبِ في اللُّغة: غادر؛ لأنَّ الغدرَ تركُ الوفاءِ، والغصْبُ أخذُ الشَّيء قهرًا وعدوانًا، وقول الغاصب‼: ماتتْ، كذِبٌ وأخذُ المالكِ القيمة رضًا.


[1] في (ب) و(س): «ترد».
[2] «وفتح»: ضرب عليها في (د).
[3] في (د): «وقال».
[4] في (ص): «آخر».
[5] «ثم»: ليست في (د) و(ع).
[6] في (س) و(ص) و(ل): «بأخذ الغاصب».