إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا

          6956- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ، أبو رجاءٍ الثَّقفي مَولاهم قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) الأنصاريُّ المدنيُّ (عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ) بضم السين المهملة مصغَّرًا، نافع (عَنْ أَبِيهِ) مالكِ ابنِ أبي / عامر (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين، أحد العشرة المبشَّرة بالجنَّة ☺ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا) اسمه ضِمَامُ بن ثعلبة أو غيره (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ثَائِرَ) شعرِ (الرَّأْسِ) أي: متفرِّقه من عدم الرَّفاهية (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ) بتشديد الياء (مِنَ الصَّلَاةِ) في اليوم واللَّيلة؟ (فَقَالَ) صلعم : (الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا) وفي «الإيمان»: قال(1): هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا إلَّا أن تطوَّع» [خ¦46] (فَقَالَ) الأعرابيُّ: يا رسول الله (أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ) صلعم : (شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا) وفي «الإيمان»: قال: هل عليَّ غيره(2)؟ قال: «لا إلَّا أن تطوَّع» [خ¦46] (قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم شَرَائِعَ الإِسْلَامِ) ولأبي ذرٍّ: ”بشرائعِ الإسلام“ بزيادةِ موحدةٍ قبل المعجمة، واجبات الزَّكاة وغيرها (قَالَ) الأعرابيُّ: (وَالَّذِي أَكْرَمَكَ) أي: برسالته(3) العامَّة (لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَفْلَحَ) أي: فازَ الأعرابيُّ (إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”أو أُدْخِل الجنَّة“ بزيادةِ همزة مضمومة وكسر الخاء المعجمة، والشَّكُّ من الرَّاوي.
          واستُشكل إذ مفهومه أنَّه إن تطوَّع لا يفلحُ. وأُجيب بأنَّ شرطَ اعتبار مَفهوم المخالفةِ عدم مفهوم الموافقة، وههنا مفهوم الموافقة ثابتٌ؛ لأنَّ من تطوَّع يفلحُ بالطَّريق الأولى.
          ووجهُ إدخال هذا الحديث هنا أنَّ المؤلِّف ☼ فَهِمَ من قولهِ صلعم : «أفلحَ إن صدق» أنَّ مَن رام أن ينقص شيئًا من فرائضِ الله بحيلةٍ يحتالها أنَّه(4) لا يفلحُ، ولا يقومُ له بذلك عند الله عذرٌ، وما أجازَه الفقهاء من تصرُّف صاحبِ المال في مالهِ قُرْب حلولِ الحول، لم يريدوا بذلك الفرارَ من الزَّكاة، ومن نَوى ذلك فالإثم عنه غيرُ ساقط، قاله في «المصابيح».
          والحديث سبق‼ في «الإيمان» [خ¦46].
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) وهم الحنفيَّة، كما قيل فيما مرَّ: (فِي عِشْرِينَ وَمِئَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ) بكسر المهملة وتشديد القاف تثنية حقَّة، وهي الَّتي لها ثلاث سنين (فَإِنْ أَهْلَكَهَا) أي: العشرين ومئة (مُتَعَمِّدًا) بأن ذبحها (أَوْ وَهَبَهَا، أَوِ احْتَالَ فِيهَا) قبل الحول بيوم (فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لأنَّ ذلك لا يلزمه إلَّا بتمام الحول ولا يتوجَّه إليه معنى قولهِ: «خشية الصَّدقة»، إلَّا حينئذٍ، وهذا يقتضِي على اصطلاحِ المؤلِّف بإرادة الحنفيَّة اختصاصَهم(5) بذلك، لكن الشَّافعي وغيره يقولون بذلك أيضًا. وأُجيب بأنَّ الشَّافعيَّ وغيره وإن قالوا: لا زكاةَ عليه، لا يقولون: لا شيءَ عليه؛ لأنَّهم يلومونه على هذه النِّيَّة، لكن قال البَرْماويُّ: إنَّما يُلام إذا كان حرامًا، ولكن هو مكروه. وقال مالك: من فوَّت من ماله شيئًا ينوي به الفرارَ من الزَّكاة قبل الحول بشهرٍ أو نحوه لزمتْه الزَّكاة عند الحول لقولهِ صلعم : «خشية الصَّدقة».


[1] في (ص): «فقال».
[2] في (ص): «غيرها».
[3] في (د): «بالرسالة».
[4] «أنه»: ليست في (س).
[5] في (د): «اختصاصه بهم».