إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ

          6954- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (إِسْحَاقُ ابْنُ نَصْرٍ) هو: إسحاقُ بنُ إبراهيم بن نصر، أبو إبراهيم السَّعديُّ المروزيُّ، وقيل: البخاريُّ، وكان ينزلُ بمدينة بُخارى بباب بني سعد، ونسبه لجدِّه، وسقطَ لغير أبي ذرٍّ «ابن نصرٍ» قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ الصَّنعانيُّ (عَنْ مَعْمَرٍ) بفتح الميمين بينهما‼ مهملة ساكنة، ابنِ راشد (عَنْ هَمَّامٍ) بفتح الهاء والميم المشددة، ابن منبِّه (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) أي: إذا أحدث أحدُكم لا تُقبلُ صلاته إلى أن يتوضَّأ، ولا يجوزُ تقديرها بإلَّا المشددة؛ لأنَّ الكلام يصير: لا يقبل الله صلاة أحدكم إلَّا أن يتوضأ، ومفهومه: أنَّه لو صلَّى قبل الوضوء ثمَّ توضأ قُبلتْ، فيفسدُ المعنى بتقديرِها.
          ووجه تعلُّق الحديثِ بالتَّرجمة قيل: لأنَّه قصدَ الرَّدَّ على الحنفيَّة حيثُ صحَّحوا صلاةَ مَن أحدث في الجلسة الأخيرةِ، وقالوا: إنَّ التَّحلُّل يحصلُ بكلِّ ما يضادّ الصَّلاة، فهم متحيِّلون في صحَّة الصَّلاة مع وجود الحدث، ووجه الرَّدِّ أنَّه محدثٌ في صلاتهِ فلا تصحُّ؛ لأنَّ التَّحلُّل منها ركن فيها لحديث: «وتحليلها التَّسليم»، كما أنَّ التَّحريم بالتَّكبير ركنٌ فيها، لكن انفصلَ الحنفيَّة عن ذلك بأن السَّلام واجبٌ لا ركنٌ، فإن سبقَه الحدثُ بعد التَّشهد توضَّأ وسلَّم، وإن تعمَّده فالعمدُ قاطعٌ، وإذا وُجِد القطعُ انتهتِ الصَّلاة؛ لكون السَّلام ليسَ ركنًا.
          وقال ابن بطَّال: فيه ردٌّ على أبي حنيفة في قولهِ: إنَّ المُحْدِث في صلاته يتوضَّأ ويبني. ووافقَه ابنُ أبي ليلى. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يستأنفُ الصَّلاة واحتجَّا بهذا الحديث. وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: وفي الاحتجاجِ نظر، وذلك لأنَّ الغاية تقتضِي ثبوت القبولِ بعدها، ولا شكَّ أنَّ ما تقدَّم قبلها من المحدِث صلاة وقعتْ بوجهٍ مشروعٍ، وقبولها مشروطٌ بدوام الطَّهارة إلى حينِ إكمالها، أو بتجديدِ الطَّهارة عند وقوعِ الحدثِ في أثنائها وإتمامها بعد ذلك، فيقبلُ حينئذٍ ما تقدَّم من الصَّلاة قبل الحدثِ، وما وقعَ بعدها ممَّا يكمِّلها.
          والحديث منطبقٌ على هذا، وليس(1) فيه ما يدفعُه، فكيف يكون ردًّا على أبي حنيفة، فتأمَّله(2).


[1] في (د): «إذ ليس». وقال في الهامش: في نسخة: «وليس».
[2] في (د) و(ع) و(ب): «فتأمل». والحديث سبق في كتاب الوضوء (135).