إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم

          6944- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ) بضم الموحدة (عَنْ أَبِيهِ) كَيسان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنه (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (نَحْنُ فِي المَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا) ولأبي الوقتِ: ”إلينا“ (رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”النَّبيُّ“ ( صلعم فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ) غير منصرفٍ (فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ(1) المِدْرَاسِ) بكسر الميم وسكون الدال المهملة آخره سين مهملة، موضعُ قراءتهم التَّوراة، وإضافة البيت إليه من إضافةِ العامِّ إلى الخاصِّ، قاله في «الكواكب».
          وقال في«الفتح»: المِدْرَاس كبيرُ اليهود، ونُسب البيت إليه؛ لأنَّه الَّذي كان صاحب دراسةِ كتبِهم، أي: قراءتها. قال: والصَّواب أنَّه على حذف الموصوفِ، والمراد: الرَّجل، وفي «كتاب الجزية» [خ¦3167] حتَّى جئنا بيتَ المدارس. بتأخير الرَّاء عن الألف بصيغة المفاعلة، وهو من يَدْرس الكتاب ويُعلِّمه غيره (فَقَامَ النَّبِيُّ صلعم فَنَادَاهُمْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”فنادى“: (يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا) بكسر اللام (تَسْلَمُوا) بفتحها (فَقَالُوا) له صلعم : (قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ) صلعم : (ذَلِكَ) التَّبليغ واعترافكم به (أُرِيدُ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ): يا معشر يَهود أسلِمُوا تسلَموا (فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا القَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ) ولأبي ذرٍّ: ”في الثالثة“ (فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”إنَّما الأرض“(2) (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) يحكمُ فيها بما أراهُ الله؛ لكونه المبلِّغ عنه تعالى القائم بتنفيذِ أوامرِه (وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ‼) بضم الهمزة، وفي «اليونينيَّة» بفتحها وسكون الجيم وكسر اللام، أي: أخرجكم من الأرضِ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ) ضمَّن «وجدَ» معنى بخل فعدَّاه بالباء، أو «وجد» من الوجدان، والباء سببيَّة، أي: فمَن وجدَ منكم بماله شيئًا من المحبَّة، أو هي للمُقابلة.
          قال الخطَّابي: استدلَّ(3) به البخاريُّ على جوازِ بيع المكرَهِ، وهو ببيع المضطرّ أشبَهُ، وإنَّما المكرَه على البيع هو الَّذي يُحْمل على البيعِ أرادَ أو لم يُرد، واليهودُ لو لم يبيعوا أرضَهم لم يلزموا بذلك، وإنَّما شحُّوا على أموالهم فاختاروا بيعَها، فصاروا كأنَّهم اضطرّوا إلى بيعِها كمَن رَهَقه دَيْنٌ فاضطرَّ إلى بيعِ ماله فيكون جائزًا، ولو أُكره عليه لم يجزْ. انتهى.
          قال في «الفتح(4)»: إنَّ البخاريَّ لم يقتصرْ في التَّرجمة على المكرَه، وإنَّما قال: بيع المكرَهِ ونحوه في الحقِّ، فدخلَ في ترجمتهِ المضطرُّ، وكأنَّه أشار إلى الرَّدِّ على من لم يصحِّح بيعَ المضطرِّ. وقوله(5): ولو أُكره عليه لم يجزْ. مردودٌ لأنَّه إكراهٌ(6) بحقٍّ (وَإِلَّا) بأن لم تجدوا شيئًا (فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ) وللكُشمِيهنيِّ: ”إنَّما الأرض“ (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).
          والحديث سبقَ في «الجزيةِ» [خ¦3167]، وأخرجه مسلمٌ في «المغازي»، وأبو داود في «الخَراج»، والنَّسائيُّ في «السِّير».


[1] في (ع): «إلى».
[2] «ولأبي ذر عن الكشميهني إنما الأرض»: ليست في (د).
[3] في (د) و(ع): «واستدل».
[4] في (د): «فتح الباري».
[5] في (د) زيادة: «في آخر كلامه»، وهو كذلك في «الفتح».
[6] في (ع) و(ص): «أكره».