إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من قتل نفسًا معاهدًا لم يرح رائحة الجنة

          6914- وبه قال: (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ) أبو محمد الدَّارميُّ البصريُّ من أفرادِ المؤلِّف، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بن زياد قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ) بفتح الحاء، ابن عَمرو _بفتح العين_ الفُقَيميُّ _بضم الفاء وفتح القاف_ التَّميميُّ، وهو أخو فُضيل بن عَمرو، توفِّي في خلافةِ أبي جعفرٍ، وقال خليفةُ: توفِّي سنة اثنتين وأربعين ومئة بالكوفةِ قاله ابنُ طاهر، وقال الحافظُ أبو محمد عبدُ الغني المقدسيُّ: قال ابنُ مَعين: ثقةٌ حجَّةٌ، وقال يحيى بنُ سعيد(1) القطان _وقد سُئل عنه، وعن الحسنِ بن عبد الله_ فقال: هو أثبتهما(2) قال: (حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ) هو ابنُ جبر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) بفتح العين ☻ . قال في «الفتح»: كذا في جميع الطُّرق بالعنعنة، ووقع في رواية مروان بنِ معاوية عن الحسنِ بنِ عمرو عن مجاهدٍ عن جُنادَةَ بنِ أبي أميَّة‼ عن عبدِ الله بنِ عَمرو. فزادَ فيه رجلًا بين مجاهدٍ وعبد الله، أخرجه النَّسائيُّ وابنُ أبي عاصمٍ من طريقهِ، وجزمَ أبو بكرٍ البرديجيُّ(3) في كتابه في بيان المرسل أنَّ مجاهدًا لم يسمعْ من عبدِ الله بن عَمرو. نعم ثبتَ أنَّ مجاهدًا ليس مدلِّسًا، وأنَّه سمعَ من عبد الله بن عَمرو فرجِّحتْ رواية عبد الواحد؛ لأنَّه توبعَ وانفرد مروان(4) بالزِّيادة (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا) بفتح الهاء، له عهدٌ مع المسلمين بعقد جزيةٍ أو هدنةٍ من سلطانٍ، أو أمانٍ من مسلمٍ، وفي حديثِ أبي هُريرة(5) عند التِّرمذيِّ: «من قتلَ نفسًا مُعَاهدًا له ذمَّة الله وذمَّة رسولهِ» (لَمْ يَرَِحْ) بفتح التحتية والراء وتكسر، لم يشمَّ (رَائِحَةَ الجَنَّةِ) وعموم هذا النَّفي مخصوصٌ بزمانٍ ما؛ للأدلَّة الدَّالة على أنَّ من مات مسلمًا وكان من أهلِ الكبائرِ غير مخلَّدٍ في النَّار، ومآله إلى الجنَّة (وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ليوجدُ“ بزيادة اللَّام (مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) وعند الإسماعيليِّ «سبعين عامًا» وفي «الأوسط» للطَّبرانيِّ من طريق محمَّدِ بن سيرين، عن أبي هريرة: «من مسيرةِ مئة عامٍ».
          قال في «الفتح»: والَّذي يظهرُ لي(6) في الجمعِ أنَّ الأربعين أقلُّ زمنٍ يُدْرَك به ريحُ الجنَّة(7) في الموقف، والسَّبعين فوق ذلك، أو ذُكرتْ للمبالغةِ، والخمس مئة والألف أكثر من ذلك، ويختلفُ ذلك باختلافِ الأشخاصِ والأعمال، فمَن أدركَه من المسافةِ البُعدى، أفضلُ ممَّن أدركَه من المسافةِ القُرْبى، وبَيْنَ ذلك، والحاصلُ: أنَّ ذلك يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ بتفاوتِ منازلهم ودرجاتهِم. وقال ابنُ العربيِّ: ريح الجنَّة لا يُدْرك بطبيعةٍ ولا عادةٍ، وإنَّما يُدركُ بما خلقَ اللهُ من إدراكهِ، فتارةً يُدركه من شاء الله من مسيرة سبعين، وتارةً من مَسيرة خمس مئة(8).
          والحديث سبقَ في «الجزية» [خ¦3166] والله الموفِّق.


[1] في الأصول الخطيّة: «بن زيد» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] قوله: «توفِّي في خلافةِ أبي جعفرٍ... هو أثبتهما»: ليس في (ع) و(ص) و(د)، ونبَّه الشيخ قطة ⌂ إلى ذلك.
[3] في (ب): «البندنيجي».
[4] في (ص): «ابن مروان».
[5] «أبي هريرة»: ليست في (ع).
[6] «لي»: ليست في (د).
[7] في (د): «أقل ما يدرك فيه ريح الجنة».
[8] في (ص) زيادة: «عام».