إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله

          6878- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصُ بن غياثٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمانُ بن مهران (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ) الخارفيِّ (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو: ابنُ الأجدع (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) «أنْ» هي المخفَّفة من الثَّقيلة، بدليل أنَّه عطف عليها الجملة التَّالية، ولأنَّ الشَّهادة بمعنى العلم؛ لأنَّ شرطَها أن يتقدَّمها علمٌ أو ظنٌّ، فالتَّقدير: أشهد أنَّه لا إله إلَّا الله، فحذفَ اسمها وبقيتِ الجملة في محلِّ الخبرِ (وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ) صفةٌ ثانيةٌ ذكرت لبيان أنَّ المراد بالمسلمِ هو الآتي بالشَّهادتين. وقال في «شرح المشكاة»: الظَّاهر أنَّ «يشهدُ» حال جِيء به(1) مقيِّدًا للموصوف مع صفتهِ إشعارًا بأنَّ الشَّهادة هي العُمدة في حقنِ الدَّم (إِلَّا بِإِحْدَى) خصالٍ (ثَلَاثٍ) وحرف الجرِّ متعلِّق بحال، والتَّقدير: إلَّا متلبِّسًا(2) بفعلِ إحدى ثلاث، فيكون الاستثناءُ مفرَّغًا لعمل ما قبل «إلَّا» فيما بعدَها، ثمَّ إنَّ المستثنى منه يحتملُ أن يكون من الدَّم، فيكون التَّقدير: لا يحلُّ دم امرئٍ مسلمٍ إلَّا دمه متلبِّسًا بإحدى الثَّلاث، ويحتملُ أن يكون الاستثناءُ من امرئٍ، فيكون التَّقدير: لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ(3) إلَّا امرأً متلبِّسًا بإحدى ثلاث خصالٍ، فمتلبِّسًا حال من امرئٍ، وجاز لأنَّه وصف (النَّفْسُ / بِالنَّفْسِ) بالجرِّ والرَّفع، فيحلُّ قتلُها قصاصًا بالنَّفس الَّتي قتلها(4) عدوانًا وظلمًا(5)، وهو مخصوصٌ بولي الدَّم لا يحلُّ قتله لأحدٍ سواه، فلو قتلَه غيره لزمهُ القصاص، والباء في «بالنَّفس» للمقابلةِ (وَالثَّيِّبُ) أي: المحصن المكلَّف الحرُّ، ويُطلق الثَّيِّب على الرَّجل والمرأة بشرطِ التَّزوُّج والدُّخول (الزَّانِي) يحلُّ قتله بالرَّجم، فلو قتلَه مسلمٌ غير الإمام فالأظهرُ عند الشَّافعيَّة لا قصاصَ على قاتلهِ لإباحةِ دمهِ، والزَّاني بالياء على الأصل، ويروى بحذفِها اكتفاءً بالكسر كقولهِ تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}[الرعد:9] (وَالمَارِقُ) الخارج (مِنَ الدِّينِ) وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”والمفارقُ لدينِهِ التَّارك له(6)“ (التَّارِكُ الجَمَاعَةَ) من المسلمين، ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”للجماعةِ“ بلام الجرِّ. وفي «شرح المشكاة»: و«التَّارك للجماعةِ» صفةٌ مؤكِّدة «للمارقِ» أي: الَّذي تركَ جماعةَ المسلمين، وخرجَ من(7) جملتِهم، وانفردَ عن(8) زُمرتهم، واستدلَّ بهذا(9) الحديث على أنَّ تارك الصَّلاة لا يُقتل بتركها لكونهِ ليس(10) من الأمور الثَّلاثة، وقد اختُلف فيه، والجمهورُ على أنَّه يُقتل حدًّا لا كفرًا بعد الاستتابةِ، فإن تابَ وإلَّا قُتل، وقال أحمدُ وبعض المالكيَّة وابنُ خُزيمة من الشَّافعيَّة: إنَّه يكفرُ بذلك ولو لم يجحدْ وجوبَها. وقال الحنفيَّة: لا يكفرُ ولا يقتلُ؛ لحديث عبادةَ عند أصحاب «السُّنن» وصحَّحه ابن حبَّان‼ مرفوعًا: «خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العبادِ...» الحديثَ، وفيه: «ومَن لم يأتِ بهنَّ فليسَ له عندَ الله عهدٌ إنْ شاءَ عذَّبه، وإن شاءَ أدخلَه الجنَّة»، والكافرُ لا يدخلُ الجنَّة. وتمسَّك الإمام أحمد بظواهرِ أحاديث وردتْ في تكفيرِه، وحملها من خالفهُ على المستحلِّ جمعًا بين الأخبارِ، واستثنى بعضُهم مع الثَّلاثة قتلَ الصَّائل فإنَّه يجوزُ قتلهُ للدَّفع.
          والحديث أخرجه مسلمٌ وأبو داود في «الحدود»، والتِّرمذيُّ في «الدِّيات»، والنَّسائيُّ في «المحاربة».


[1] «به»: ليست في (د).
[2] في (ص) هنا والموضع التالي: «ملتبسًا».
[3] «من امرئ فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم»: ليست في (د).
[4] في (س): «قتلتها».
[5] «وظلمًا»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[6] في (د): «التارك لدينه».
[7] في (س): «عن».
[8] في (س): «من».
[9] في (ع) و(د): «بذلك».
[10] في (ع) و(د): «لكونها ليست».