إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله

          6842- 6843- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) إمام الأئمة (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين (ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) الجهنيِّ ☻ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ) لم يُسمَّيا (اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ أَحَدُهُمَا): يا رسول الله (اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) بحكم الله الَّذي قضى به على المكلَّفين (وَقَالَ الآخَرُ _وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا_: أَجَلْ) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام، أي: نعم (يَا رَسُولَ اللهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي) ولأبي ذرٍّ: ”وأذنْ لي“ بإسقاط الياء الَّتي بعد الهمزةِ (أَنْ أَتَكَلَّمَ) استدلَّ به على كونهِ أفقهَ من الآخر (قال) صلعم له(1): (تَكَلَّم قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيْفًا عَلَى هَذَا _قَالَ مَالِكٌ: وَالعَسِيفُ الأَجِيرُ_ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”وجاريةٍ لي“ بإسقاط الموحدة، وفي رواية عَمرو بن شُعيب: فسألتُ من لا يعلم، فأخبرني أنَّ على ابنك الرَّجم فافتديتُ منه (ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَمَا) بالتخفيف (و) الله (الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا غَنَمُكَ) المئة (وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) فمردودةٌ عليك (وَجَلَدَ ابْنَهُ مِئَةً) أي: أمر من يجلده فجلده(2) (وَغَرَّبَهُ) من مَوطن الجناية (عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ) ليعلمها أنَّ الرَّجل قذفها بابنهِ، فلها عليه حدُّ القذف فتطالُبه أو تعفو عنه (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) أنَّه زنى بها(3) (فَارْجُمْهَا) أي: بعد إعلامي أو فوَّض إليه الأمر، فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهِم يحكم، وقد دلَّ قوله: فأمر بها رسولُ الله صلعم فرُجمتْ، أنَّه صلعم هو الَّذي حكمَ فيها بعد أن أعلمه أُنيسٌ باعترافها، قاله عياض، ولأبي ذرٍّ: ”رَجَمها فأتاهَا أُنَيس فأعلمَها“ وكان لقولهِ: «فإن اعترفتْ» مقابلًا، يعني: فإن أنكرتْ فأعلمها‼ أنَّ لها مطالبة بحدِّ القذف، فحذف لوجودِ الاحتمال، فلو أنكرتْ وطلبَتْ لأُجِيبتْ (فَاعْتَرَفَتْ) بالزِّنا (فَرَجَمها) بعد أن أعلم النَّبيَّ صلعم باعترافها مبالغةً في الاستثباتِ مع أنَّه كان علَّق له رَجمها على اعترافها.
          وفي الحديث: أنَّ الصَّحابة كانوا يُفتون في عهدهِ(4) صلعم وفي بلدِه، وذكر محمد بن سعد في «طبقاته» أنَّ منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعبد الرَّحمن بن عوف وأبيَّ بن كعبٍ ومعاذَ بن جبل وزيدَ بن ثابت، وفيه: أنَّ الحدَّ لا يقبلُ الفداء، وهو مجمعٌ عليه في الزِّنا والسَّرقة والحِرَابة وشربِ المُسْكر، واختُلِف في القذفِ والصَّحيح أنَّه كغيره، وإنَّما يجري الفداءُ في البدنِ كالقصاصِ في النَّفس والأطرافِ.
          ومطابقةُ الحديث للترجمةِ ظاهرة فيمَن قذفَ امرأةَ غيره، أمَّا من قذف امرأتهُ فمأخوذٌ من كون زوج المرأة كان حاضرًا، ولم يُنكرْ ذلك، كذا في «الفتح» قال: وقد صحَّح النَّوويُّ وجوبَ إرسالِ الإمام على المرأةِ ليسألها عمَّا / رُميتْ به(5)، واحتجَّ ببعثِ أنيسٍ إلى المرأةِ. وتُعقِّب بأنَّه فعلٌ وقعَ في واقعةِ حالٍ لا دَلالة فيه على الوجوبِ؛ لاحتمالِ أن يكون سبب البعثِ ما وقعَ بين زَوجها وبين والدِ العسيفِ من الخصامِ، والمصالحة على الحدِّ، واشتهار القصَّةِ حتى صرَّح والدُ العسيفِ بما صرَّح به ولم ينكرْ عليه زوجها، فالإرسال إلى هذه يختصُّ بمن كان على مثلِها من التُّهمة القويَّة بالفجورِ، والله أعلم.


[1] في (د): «قال له صلعم ».
[2] في (د) زيادة: «مئة».
[3] في (ص): «بالزنا».
[4] في (ع) و(د): «عهد النبي».
[5] قوله: «قال وقد صحح النووي... عما رميت به»: ليس في (د).